المعروف بين المتأخّرين والمعاصرين من فقهاء الإماميّة اشتراطُ الانتماء المذهبي الخاصّ (التشيّع الإمامي) في المؤذّن والمقيم. والقدر المتيقّن من مرادهم هو أذان الصلاة (الأذان الذي يقوله المكلّف بقصد إقامة الصلاة، ولو كان يريد أن يصلّي في آخر الوقت مثلاً)، بمعنى أنّه لو أذّن شخص غير شيعي فسمعه المكلّف أو دخل المكلّف المسجد فرأى الجماعة منعقدةً، وكان المؤذّن لها شخصاً غير شيعي، وأمثال ذلك، فلا يمكن الاكتفاء بأذان غير الشيعي لسقوط الأذان عن المكلّف ودخوله في الصلاة مباشرةً. أمّا أذان الإعلام والذي يكون بهدف الإعلان عن دخول الوقت ويكون في بداية وقت الفريضة، فعبارات بعض الفقهاء المطلقة قد توحي بشموله، لكن قد صرّح غير واحدٍ منهم بعدم اشتراط الانتماء المذهبي الخاصّ في مؤذّنه، فلو كان موثوقاً فيمكن الاعتماد عليه للحكم بدخول وقت الصلاة، بصرف النظر عن بعض الصلوات المختلف بين المذاهب في وقت دخولها، بل قد ورد في معتبرة ذريح المحاربي، قال: قال لي أبو عبد الله×: «صلّ الجمعة بأذان هؤلاء، فإنّهم أشدّ شيء مواظبةً على الوقت».
وظاهر الفقهاء القائلين بهذا الشرط هو أنّ غير الإمامي حتّى لو أذّن على الطريقة الإماميّة الصحيحة الكاملة، وأقام كذلك، فلا يكفي، فالمشكلة ليست عندهم من ناحية فقرات الأذان والإقامة، بل من ناحية المؤذّن والمقيم نفسه في كونه غير إماميّ.
وهذا الشرط ظهر التصريح به بجديّة في القرن الثامن الهجري وما بعد، بل وإلى يومنا هذا ثمّة فقهاء لا يذكرون هذا الشرط في كتبهم الفقهيّة إمّا لعدم اعتقادهم به أو لرغبة في عدم التعرّض له أو لغير ذلك. أمّا قبل القرن الثامن الهجري فعادةً ما يذكرون شرط الإسلام في المؤذّن ولا يتعرّضون لشرط الانتماء المذهبي المعبّر عنه عندهم بـ “الإيمان”. وحملُ الإسلام على الإيمان في كلماتهم خلافُ الظاهر جدّاً؛ فقد كانوا يصرّحون بشرط الإيمان في أبواب متعدّدة، كما هي الحال في إمام الجماعة، فراجع.
والذي توصّلتُ إليه ـ والعلم عند الله ـ هو عدم اشتراط الانتماء المذهبي في الاعتداد بأذان وإقامة الآخرين، بلا فرقٍ بين الأذان الإعلامي والأذان الصلاتي، إذا حاز أذانهم على سائر الشروط المعتبرة، غايته أنّ مقتضى الاحتياط هو أن يُكمل المكلّف ـ حيث يمكن ـ ما أنقصه ذلك المؤذّن والمقيم من فقرات الأذان والإقامة، لو أذّن وأقام على مذهبه الفقهي وليس على مذهب المكلّف، مثل «حيّ على خير العمل».
وعمدة أدلّتهم تارةً عدم صحّة عبادات غير الشيعي ـ والمفروض أنّ الأذان والإقامة عبادة ـ وقد ناقشنا ذلك مفصّلاً في محلّه، وأنّه وقع خلط بين القبول والصحّة، وأخرى بعض الروايات المرتبطة بالجماعة ولا علاقة لها ببحثنا، كما أقرّ بذلك بعض الفقهاء مثل السيد محسن الحكيم، وثالثة ـ وهو العمدة عندهم ـ رواية واحدة، وهي موثقة عمار الساباطي، وهي رواية آحاديّة منفردة في بابها، خاصّة وأنّ راويها عمار الساباطي، والعمومات والمطلقات في باب الاجتزاء بأذان الآخرين تقف في مقابلها، خاصّة وأنّ ابتلاء الشيعة بالصلاة مع أهل السنّة، وسائر الفرق الإسلاميّة والشيعيّة غير الإماميّة، وفي المساجد المشتركة، كان غير قليل في تلك الأزمنة، ومع ذلك لم يرد في المطلقات أيّ قيد ينبّه لهذا الأمر. بل قد تواجه روايةَ عمار هنا صحيحةُ عبد الله بن سنان في كفاية إكمال الناقص من الأذان. بل إنّ موقف المتقدّمين قد يُشعر بالإعراض أو بفهمٍ مغاير لرواية عمّار رغم أنّها كانت بمرأى منهم ومسمع؛ حيث نقلها كلّ من الطوسي والكليني في الكافي والتهذيب معاً. وهذه العناصر وغيرها مجتمعةً تمنعُ عن وصول الوثوق بهذه الرواية إلى الحدّ المطلوب في اعتماد الأخبار الآحاديّة، فراجع. والتفصيل في محلّه.
حيدر حبّ الله
الاثنين 20 ـ 12 ـ 2021م