يرمي الحجّاج الجمرات، وقد يصيب الحاج برميه الجمرةَ وقد لا يصيب، بصرف النظر عن تحديد الجمرة الواجب رميها: هل هو العمود أو المكان كلّه الذي تجتمع فيه الحصى أو الحائط المشيّد اليوم؟ والفكرة هنا أنّه هل يجب إصابة الجمرة بالحصى أو أنّه يكفي رمي الحصى نحو الجمرة سواء أصابتها أم لم تصبها؟
يذكر مختلف الفقهاء في كتب مناسك الحجّ من شروط رمي الجمرات وصول الحصيات التي يرميها الحاجّ إلى الجمرة وإصابتها لها. ويطرح العديد من متأخّري العلماء أنّ شرط الإصابة، وإحراز أنّ الحجر أصاب الجمرة، هو المعروف، بل ادّعي عليه الإجماع القويّ، لكنّ الدراسة التاريخيّة تبيّن أنّ جملة من الفقهاء المتقدّمين لم ينصّوا على هذا الشرط بتاتاً، وكذلك الحال لدى بعض المتأخّرين، فابن مجد الحلبي، والكيدري، والسيد المرتضى، وابن البرّاج، وابن أبي عقيل، وابن الجنيد، والمفيد، والصدوق، وسلار الديلمي، لم ينصّوا على هذا الشرط، أمّا الشيخ الطوسي فاختلفت كلماته في كتبه، فهو لم يأت على ذكره في “الجمل والعقود” ولا في “الاقتصاد”. أمّا في “الخلاف” فقد نصّ على أنّه إذا رمى فلم يعلم أصاب أم لا فيجزيه، وأمّا في المبسوط فقد صرّح بأنّه لا يجزيه، ولهذا نسب الطبرسي للطوسي أنّه نُقل أنّ له وجهين في ذلك.
والذي توصّلتُ إليه، هو أنّ الواجب هو صدق عنوان الرمي المستهدِف للجمرة بحيث يقال: رمى الجمرة، الأعمّ من المصيب واقعاً وعدمه، فلا يُشترط إحراز الإصابة ولا تحقّقها خارجاً ما دام عنوان أنّه “رمى الجمرة بقصد إصابتها رمياً يستهدفها“ متحقّقاً. لكن إذا أحرز الرامي بعد رميه أنّه لم يُصب الجمرة كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي هو الإعادة، كما أنّ مقتضى القاعدة عدم لزوم الفحص للتأكّد من أنّه أصاب الجمرة أو لا؛ لأنّ متعلّق الحكم ـ وهو الرمي المستهدِف للجمرة ـ صادقٌ.
ولمزيد اطّلاع على الآراء والأدلّة والمناقشات في هذه المسألة، راجع كتابي (بحوث في فقه الحجّ: 179 ـ 187، الطبعة الأولى، 2010م).
حيدر حبّ الله
الأحد 20 ـ 3 ـ 2022م