المعروف بين الكثير من فقهاء الإماميّة، بل ادّعي عليه الإجماع والتسالم، أنّ من يُحكم عليه برجمٍ (أو بمطلق حدٍّ) أو قصاصٍ يوجب الموت، فإنّه يطلب منه قبل إجراء ذلك في حقّه أن يغتسل، أو أن يغتسل غسل الميّت (على الخلاف بينهم في هويّة هذا الغسل)، ويحنّط ويكفّن قبل إجراء العقوبة، تماماً كما يجري على الميّت (وقيل: يكفّن بالمئزر والقميص، ثم بعد قتله يكفّن بالإزار الذي يُلفّ به البدن كلّه)، ثم يتمّ إجراء العقوبة (الإعدام) في حقّه، ثمّ بعد ذلك يصلّى عليه، ويُدفن من دون تغسيلٍ ولا غيره. وقد صرّح كثيرٌ منهم بأنّ ذلك عزيمة لا رخصة، بمعنى أنّ هذه الطريقة هي الطريقة الملزَم بها شرعاً.
غير أنّ بعض الفقهاء المتأخّرين ـ رغم الشهرة العظيمة بين الفقهاء في هذه المسألة ـ احتاط وجوباً، ومن هؤلاء: السيّد محمّد محمّد صادق الصدر، والشيخ محمّد إسحاق الفياض، ويظهر شبيه هذا الاحتياط من كلمات المحدّث البحراني (1186هـ). ومعنى الاحتياط هنا هو القيام بهذه العمليّة، ثم تكرارها بعد إجراء عقوبة الإعدام، فيغسّل قبلها وبعدها، وكذلك يحنّط، وهكذا.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم استثناء الذي تجري عليه عقوبة جنائيّة أو جزائيّة توجب الموت مطلقاً من أحكام الأموات غُسلاً وتكفيناً وغير ذلك، وهذا معناه أنّه تُقام عليه العقوبة، ثم بعد ذلك تبدأ عمليّات تجهيز الميت من تغسيلٍ وتكفين وتحنيط وصلاة وغيرها، فلا فرق بينه وبين سائر المسلمين الذي يتمّ تجهيزهم.
والمستند الرئيس لهم في ذلك ليس إلا رواية واحدة ضعيفة الإسناد، بل في سندها من هو متّهمٌ بالوضع والكذب، لكنّهم انطلقوا في الأخذ بها من عمل الفقهاء السابقين بها، وحصول الإجماع، فجبروا ضعفَها السندي بذلك، واعتبروا أنّه لا يُعقل أن يكون الحكم غير ذلك، ويعملون جميعاً بمثل هذه الرواية. ولكنّ ذلك لا يكفي ـ من وجهة نظري المتواضعة ـ لرفع اليد عن العمومات والمطلقات والأدلّة المختلفة في باب تجهيز الموتى وأحكامهم، لمجرّد رواية واحدة بهذه الصفة. وحصول اليقين لهم آنذاك لا يُلزمنا بشيء، فهو يقينٌ حجّة لهم وعليهم، بل لعلّهم أخذوا بها من باب كلّيّة مخالفة القوم. بل حيث إنّ المشهور بين فقهاء المسلمين من غير الإماميّة وعمل حكوماتهم ودولهم هو عكس ذلك، فإنّ هذا يُثير تساؤلاً: كيف نفسّر مجرّد وجود رواية واحدة ضعيفة جدّاً في مواجهة ظاهرة قائمة عبر ثلاثة قرون؟! ولماذا لم يُذكر من قبل أمثال السيد المرتضى (436هـ) على أنّه من متفرّدات الإماميّة؟! ولماذا لم يُصدِر أهل البيت ـ عليهم السلام ـ المزيد من التوضيح واتخاذ المواقف في هذه المسألة؟! ولماذا لم يُسمع أيّ شيء في عصر إمامة الإمام عليّ× الظاهرة فيمن أجريت عليهم العقوبات الجنائية والجزائيّة بحيث يتوقّع أن يكون ذلك علامة فارقة؟! وعليه، فحصول الاطمئنان بصدور هذه الرواية الوحيدة في غاية الصعوبة، فلا يُحتجّ بها.
حيدر حبّ الله
السبت 15 ـ 1 ـ 2022م