ذهب الكثير من الفقهاء إلى أنّه لو زنى شخص بخالته قبل أن يعقد على ابنتها، حرمت عليه ابنتُها مؤبّداً وإن نزلت، فلا يجوز له الزواج منها، وعمّم بعضُهم الحكم ـ بنحو الفتوى أو الاحتياط ـ للعمّة، لكنّه لو زنى بالعمّة أو الخالة بعد أن كان قد تزوّج بالبنت لم تحرم البنتُ عليه، على قانون «إنّ الحرام لا يحرّم الحلال» والوارد ذكره أيضاً في بعض الروايات هنا، وإن كان غير واحدٍ قد احتاط في التحريم لو كان الزنا بالعمّة أو الخالة بعد العقد على البنت وقبل الدخول بها.
وخالف في هذا الرأي بعضُ العلماء، ومن بين المعاصرين: السيد محمّد صادق الروحاني، كما أنّ بعضهم بنى أصل المسألة في الرسائل العمليّة على الاحتياط الوجوبي دون الفتوى، مثل السيد علي السيستاني، والسيّد محمّد حسين فضل الله، والسيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ محمّد تقي بهجت، وغيرهم. هذا، وذهب مشهور فقهاء أهل السنّة لعدم التحريم.
لكنّ مشهور المتأخّرين ـ على الأقلّ ـ اعتبر أنّ هذا الحكم خاصّ بالخالة والعمّة، ولا يشمل مطلق امرأةٍ مزنيّ بها، وإن احتاطوا استحباباً بترك التزوّج ببنتها، وخالف في ذلك بعضٌ قليل من المعاصرين مثل السيد موسى الشبيري الزنجاني الذي ذهب لتحريم ابنة المرأة المزنيّ بها مطلقاً عمّةً كانت أو خالةً أو غيرهما.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم حرمة ابنة العمّة ولا ابنة الخالة ولو نزلتا، على الزاني بالعمّة أو بالخالة، بلا فرق في ذلك بين كون الزنا قبل العقد على البنت أو بعده، وقبل الدخول بالبنت أو بعد العقد والدخول، بل لم يثبت ـ وفاقاً لكثيرين، وبخاصّة بين المتأخّرين كما ألمحنا آنفاً ـ حرمة بنات المزني بها مطلقاً على الزاني. ولا فرق في كلّ ما ذكرناه بين كون البنت بنتاً نسبيّةً للمزنيّ بها أو رضاعيّة.
والعمدة في الاستدلال:
أ ـ تارةً رواياتُ مطلقِ تحريم بنت المزني بها على الزاني، وهي متعارضة تُقدَّم فيها المجموعة غير المحرِّمة، أو على الأقل تتساقط المجموعتان، فيرجع للعمومات والمطلقات المحلِّلة والواردة في الكتاب والسنّة.
ب ـ وأخرى رواياتٌ خاصّة، وعمدتها روايتان فقط، واردتان في الخالة دون العمّة. وهاتان الروايتان يُظنّ ظنّاً قويّاً بكونهما رواية واحدة (رغم اختلاف السائل) نقلها الخزّاز عن محمّد بن مسلم، ونُقلت عن الخزاز بطريقين: أحدهما ضعيف بضعف طريق الطوسي للطاطري، وثانيهما صحيح، غير أنّ المتن يعاني من بعض المشاكل الداخليّة المضمونيّة في ذيله، كما اعترف بذلك غير واحد مثل الشهيد الثاني الذي وصفها بأنّها «رديّة المتن». وقد حاول بعضهم حلّ هذه المشاكل المتنيّة بحلولٍ غير مقنعة، أو على الأقلّ توجب عدم وضوح عموميّة الحكم هنا. فالمدارُ ـ بعد سقوط روايات مطلق المزنيّ بها ـ روايةٌ واحدة منفردة في الباب، ولا نقول بحجيّة خبر الواحد. وسائر المنقولات في الكتب الفقهيّة ـ بما فيها كتاب الفقه الرضوي الذي مال بعضهم لكونه للصدوق الأوّل، ومال آخرون لكونه كتابَ التكليف للشلمغاني، ومال فريقٌ ثالث لغير ذلك ـ لا يعلم أنّها غير هذه الرواية أو نقلاً بالمعنى لها.
وأمّا دعوى السيّد المرتضى الإجماع، فمنقوضة بعدم ظهور الإجماع المتصل، فضلاً عن الكاشف، بل بظهور قولٍ مخالف بين المتقدّمين، ويظهر من ابن إدريس الحلّي التحفّظ على دعوى الإجماع القائمة، كما يفهم من زمن المحقّق الحلي ومن بعده وجود قول مخالف في المسألة، ولا أقلّ من تردّد بعضهم، على أنّ الشيخ الصدوق في المقنع حكم بعدم حرمة بنات المزني بها دون أن يستثني الخالة ولا العمّة، إلى غير ذلك من التعليقات الممكنة التي لا نطيل بالحديث عنها.
حيدر حبّ الله
السبت 9 ـ 7 ـ 2022م