يذهب الكثير من الفقهاء إلى أنّه لو غصب شخصٌ مالاً لآخر مثلاً، ولم يسلّمه المال المغصوب رغم مطالبته به، فاضطرّ المغصوب منه إلى رفع دعوى قضائيّة تتطلّب تكاليف ماليّة بهدف الحصول على ملكه المغصوب، أو اضطرّ لدفع تكاليف ماليّة لكي يصل إلى المكان الذي توجد فيه الأموال المغصوبة لأخذها ولو بالقوّة من الغاصب وغير ذلك من الأمثلة.. ذهب الكثير من الفقهاء هنا إلى أنّ الغاصب لا يضمن التكاليف التي يصرفها المالك المغصوب منه في سبيل الوصول لماله، بل يضمن العين المغصوبة بنفسها أو مِثلها أو قيمتها، أو منافعها التي تفوت تبعاً لغصب العين كالمنافع المفوَّتة والمنافع الفائتة والمنافع المستوفاة وغير ذلك على تفصيلٍ عندهم، فكلّ مال يصرفه المالك لاستنقاذ حقّه عند تمنّع الطرف الآخر عن تسليمه هذا الحقّ لا يضمنه الطرف الآخر.
لكنّ الذي توصّلتُ إليه هو أنّ الطرف الآخر المتمنّع عن تسليم المال لمالكه، له حالتان:
الحالة الأولى: أن يعلم بأنّ هذا المال هو ملك المالك وأنّه غصبه منه أو في حكم المغصوب، ومع ذلك يمتنع عن تسليمه له، ففي مثل هذه الحال يضمن تمام التكاليف اللازمة التي دفعها المالك المغصوب منه للوصول إلى ماله، إذا توقّف تحصيل المالك لماله على دفعها وطالَبَه بها المالكُ المغصوب منه.
الحالة الثانية: أن لا يعلم الطرف الآخر بأنّ هذا المال هو ملكٌ للمالك، كأن يتصوّر أنّه ملكه هو، فيرفع المالكُ دعوى قضائيّة مثلاً للمطالبة بماله، فيثبت أنّه مالُه، ففي مثل هذه الحال لا دليل على ضمان الطرف الثاني الممتنع عن تسليم المال لصاحبه شيئاً.
وبعد بحثي هذه المسألة لاحظتُ أنّ بعض الفقهاء المعاصرين يبدو وافق في الجملة على هذا الرأي، ومنهم السيّد محمّد باقر الصدر وبعض تلامذته مثل السيد محمود الهاشمي، والسيد كاظم الحائري. ومنطلقهم في ذلك ـ كما جاء في تعليقة السيد الصدر على المنهاج ـ أنّ مرجع حالة الغاصب هو الإكراه على الجامع بين التنازل عن العين ودفع المبالغ المذكورة للحصول عليها، فيضمن الغاصب ذلك. وهذا الوجه وأمثاله ربما يكون هو خلف البناء العقلائي في مثل هذه الموارد؛ فإنّ العقلاء يرون أنّ الغاصب يضمن هذه الخسارات الواردة على المالك صاحب الحقّ في مثل هذه الحال، لو طالَبَ بها.
حيدر حبّ الله
الجمعة 4 ـ 3 ـ 2022م