يُعتبر “وقف الوقت” أحد أشكال الوقف المعاصرة التي تثير الانتباه وتطرح نمطاً يبدو مستحدَثاً من أنماط الوقف، وهو نمطٌ أخذ بالحضور والتزايد في غير بلدٍ إسلاميّ، وبخاصّة البلدان الخليجيّة، وبالأخصّ الكويت. فوقف الوقت هو نوع من تقديم الإنسان لوقته في سبيل العمل الخيري والتطوّعي لخدمة الإنسان الآخر وخدمة القيم والدين. وهذا ما يمكنه أن يوسّع من دائرة الواقفين الذين لن يقفوا عند حدود أصحاب الأموال أو الثروات، بل سيتمكّن عموم العمال والموظّفين في مختلف القطاعات من المساهمة في العمل الوقفي، ما دام هذا الوقت ملكهم، وما دامت الطاقة المودعة فيهم ترجع إليهم، وما داموا متنوّعين جداً في خبراتهم التي يمكن للآخرين الانتفاع بها، ليقدّموها في سبيل عمل الخير بما ينهض بالمجتمع ويرتقي بالناس، فلا يحتاج وقف الوقت لصرف العمر كاملاً في شيء، بل يمكنه أن يصل حدّ تخصيص ساعة أو نصف ساعة من يوم أو أسبوع، ليكون ملكاً للمجتمع يسخّره في الخدمة العامّة في هذا الإطار قربةً إلى الله تعالى، فيمكن لطبيب أن يفعله كما يمكن لعمّال النظافة فعله، ويمكن لأستاذٍ جامعيّ فعله كما يمكن لموظّف حكومي أن يفعله وهكذا، فيقول الطبيب ـ مثلاً ـ بأنّي أقف ثلاث ساعات من وقتي يوم كذا وكذا قربةً إلى الله تعالى، فيلزمه العمل بهذا الوقف وتقديم خدماته المجّانية للمراجعين والمرضى، ويكون له ثوابه بإذن الله.
ولم تَغِب فكرة وقف الوقت عن الفقه الإسلامي، رغم حداثة المصطلح والشكل، ففي الموروث الفقهي والقانوني عند المسلمين مفهومٌ يتماهى مع فكرة وقف الوقت، وهو مفهوم “وقف المنفعة”، لكنّ الكثير من فقهاء المسلمين منعوا عن وقف المنافع واعتبروه غير صحيح بعنوانه وقفاً، الأمر الذي جعل وقف الوقت اليوم محلّ إشكال ورفض عند كثيرين.
والذي توصّلتُ إليه هو شرعيّة وقف الوقت، فيمكن للإنسان أن يوقف مدّة زمنيّة من وقته لعمل خيري راجح يقدّمه للدين أو للناس، ويصبح ملزماً شرعاً بالوفاء بمقتضى هذا الوقف.
انظر بحثي المتواضع «وقف الوقت، مطالعة فقهيّة أوّليّة في وقف المنفعة والعمل التطوّعي»، والذي شارك في مؤتمر الوقف الجعفري في الكويت عام 2017م، ثم نُشر في مجلّة الاجتهاد والتجديد، العدد 44: 234 ـ 249، والصادرة في بيروت، خريف عام 2017م.
حيدر حبّ الله
الأحد 10 ـ 10 ـ 2021م