وقف النقود عبارة عن جعل النقد بما هو نقد ـ لا بما هو عين تُتخذ لغرض محدّد مثل الزينة، كما كانت الحال في وقف النقود الذهبية والفضيّة قديماً ـ فيقف الإنسانُ مبلغ ألف دينار مثلاً ليكون ناتجها وواردها، مثلاً، ريعاً للفقراء أو لليتامى أو لغير ذلك.
ورغم أنّ وقف النقود كان مسألة مطروحة في الفقه الإسلامي منذ قرون عديدة، إلا أنّ ظاهرة وقف النقد لم تكن بهذا الشيوع. ولم يبلغ مجال الاستثمار فيها الحال الذي بلغه اليوم؛ بسبب تطوّر مجالات الاستثمار وأشكاله ومؤسّساته وأساليب تنظيمه بفعل التطوّر الاقتصادي العام في العالم. وقد كان الظهور الفاعل والقويّ لوقف النقود في بدايات العصر العثماني، حيث كان في بعض بلاد البلقان، ثم انتقل إلى اسطنبول، ومنها إلى بلاد الشام، ثم تحوّل إلى قضية مهمّة في الدولة العثمانية، أثارت جدلاً ونقاشات واسعة، وبخاصّة على مستوى المذهب الحنفي.
ولوقف النقود أنواع ومجالات هائلة في العصر الحديث من نوع الوقف النقدي الاستثماري، والوقف النقدي الإيرادي، والوقف النقدي القرضي، وغير ذلك.
ولعلّ المشهور بين الفقهاء المنع عن وقف النقود بما هي نقود، غير أنّ بعضهم وافق على هذا النوع من الوقف، مثل بعض المالكيّة ومشهور الأحناف والشيخ ابن تيمية الحراني، والسيد كاظم اليزدي، والسيّد محمود الهاشمي، والشيخ يوسف الصانعي، والشيخ جعفر السبحاني، والسيد محمد الحسيني الشيرازي. وأصدر مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جلسته في سلطنة عمان عام 2004م مواقف مؤيّدة لهذا النوع من الوقف.
والذي توصّلتُ إليه بنظري القاصر هو أنّ الوقف النقدي جائزٌ تكليفاً وصحيحٌ وضعاً وقانوناً، بل وقف النقود الورقيّة المعاصرة أوضح في الترخيص والتصحيح من وقف النقود المعدنية القديمة كالدرهم والدينار.
ولمزيد توسّع، راجع بحث «الوقف النقدي في الفقه الإسلامي، قراءة استدلاليّة»، والمنشور في كتابي المتواضع (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 1: 303 ـ 340، الطبعة الأولى، 2011م).
حيدر حبّ الله
الثلاثاء 28 ـ 9 ـ 2021م