المشهور المعروف بين فقهاء المسلمين أنّه يحرم أكل النجاسات المعيّنة في الشرع كالبول والغائط وغيرهما، كما صرّح كثيرون بحرمة أكل المتنجسّات ولو لم تكن فيها عين النجاسة، كما لو وقعت قطرة دم صغيرة على التفّاحة، فأزال الإنسان الدمَ بخرقة، لكنّه لم يطهّر التفّاحة بالغسل بالماء، فيحرُم أكلها بوصفها متنجّساً، حتى لو لم تكن عليها عين النجاسة.
وقد ادُّعي عدم الخلاف في هذه المسألة، بل الإجماع، وقد تعرّض الفقهاء لهذا الموضوع تارةً في كتاب النجاسات وأحكامها، وأخرى في كتاب الأطعمة والأشربة.
لكنّ الذي توصّلتُ إليه هو عدم وجود دليل معتبر على حرمة تناول النجاسات والمتنجّسات بما هي نجاسات أو متنجّسات. نعم ثبت أنّ بعضَ ما يُعتبر من النجاسات محرّمُ الأكل بعنوانه، لا بعنوان أنّه من النجاسات، وعليه فيحرم تناول الآتي: الميتة بأنواعها، والدم، ولحم الخنزير، والمسكر وما ينضوي تحته وصولاً للفقّاع، والكلب بمقتضى الاحتياط اللازم، ومن الطبيعي حرمة أكل الإنسان، انطلاقاً من الارتكاز المبنيّ على الهتك وغيره. فهذه كلّها يحرم أكلها سواء قلنا بطهارتها أم قلنا بنجاستها لا فرق؛ لأنّ تحريمها ثابتٌ لها بعنوانها لا بعنوان كونها نجاسات. أمّا سائر ما عُدَّ من النجاسات ولو عند بعض الفقهاء، مثل البول، والغائط، والمنيّ، وعرق الجنب من الحرام، وعرق الإبل الجلّالة أو مطلق الحيوان الجلّال، وغير ذلك، فليس بحرام أكله ولا شربه (يُشار إلى أنّه في الفقه الإسلامي كلامٌ كثير حول نجاسة السباع، والضواري، والمسوخ، والثعلب، والأرنب، والفأرة، والعقرب، والوزغ، والمذي، والودي، والقيح والصديد، والقيء المتغيّر بحموضةٍ أو رائحة، وغير ذلك).
وهكذا الحال في الملاقي لما هو محرّم الأكل وبخاصّة الميتة والمسكر والدم، فإنّه يلزم غسله كما دلّت على ذلك النصوص؛ لتجنّب وجود جزيئات من محرّم الأكل عليه.
هذا، وإذا كان شيء من هذه النجاسات أو المتنجّسات أو غيرها مضرّاً بالإنسان ضرراً معتدّاً به، فيحرم للضرر وبالعنوان الثانوي لا لنفسه، وهذا واضح.
وقد بحثتُ موضوع النجاسات والمتنجّسات وأدلّة التحريم ومناقشاتها بالتفصيل، في كتابي المتواضع (فقه الأطعمة والأشربة 2: 305 ـ 322، 423 ـ 448، الطبعة الأولى، 2020م)، فراجع.
حيدر حبّ الله
السبت 19 ـ 3 ـ 2022م