ذكر عدد من الفقهاء ـ وبخاصّة في العصر الحديث بعد السيد محسن الحكيم ـ صلاةً وضعوها ضمن الصلوات المستحبّة، وهي الصلاة في مسجد الكوفة لقضاء الحاجة (وهذه غير عنوان صلاة الحاجة بنحو مطلق)، وقالوا بأنّ كيفيّتها كالآتي: ركعتان يقرأ في كلّ واحدة منهما بعد الحمد سبع سور، والأولى الإتيان بها على هذا الترتيب: الفلق أولاً، ثمّ الناس، ثمّ التوحيد، ثمّ الكافرون، ثم النصر، ثم الأعلى، ثم القدر.
ورغم ذكرها في العديد من الرسائل العمليّة في العصر الحديث في قسم الصلوات المستحبّة، كما أوردها الشيخ عباس القمي في المفاتيح، غير أنّ بعض العلماء أهملها ولم يذكرها أساساً، فيما صرّح بعضٌ آخر بشيء حولها، فقد ذكر السيد محمّد باقر الصدر في تعليقته على المنهاج أنّه يؤتى بها بقصد القربة المطلقة لا بعنوانها وكيفيّاتها وخصوصيّاتها، فيما اعتبر السيد محمد محمد صادق الصدر أنّ الأحوط وجوباً الإتيان بها برجاء المطلوبيّة حسب تعبيره.
والذي توصّلتُ إليه عدم ثبوت صلاة مستحبة بعنوانها في مسجد الكوفة لقضاء الحاجة بهذه الكيفيّة المذكورة، فلو أراد شخصٌ أن يُصلّيها فمن الضروري أن يقصد مطلق الصلاة المندوبة، لا أنها صلاةٌ مندوبةٌ بعنوانها. وكلامي هذا خاصّ بهذه الصلاة، أمّا موضوع فضل مسجد الكوفة وفضل الصلاة فيه عموماً، ونحو ذلك، فهذا بحثٌ آخر أوسع نتركه الآن.
والمستند الرئيس والوحيد ـ فيما يبدو ـ لهذه الصلاة هو خبرٌ واحد نقله الشيخ الطوسي في (الأمالي: 415 ـ 416)، وهذا نصّه: «.. حدّثني صباح الحذاء، قال: قال أبو عبد الله×: من كانت له إلى الله تعالى حاجة فليقصد إلى مسجد الكوفة، وليسبغ وضوءه ويصلّي في المسجد ركعتين، يقرأ في كلّ واحدة منهما فاتحة الكتاب وسبع سور معها، وهنّ: المعوذتان، وقل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، وإذا جاء نصر الله، وسبح اسم ربك الأعلى، وإنا أنزلناه في ليلة القدر، فإذا فرغ من الركعتين وتشهّد وسلم، سأل الله حاجته، فإنّها تقضى بعون الله، إن شاء الله. قال علي بن الحسن فضال: وقال لي هذا الشيخ: إنّي فعلت ذلك ودعوت الله أن يوسّع عليّ في رزقي، فأنا من الله تعالى بكلّ نعمة، ثمّ دعوته أن يرزقني الحجّ فرزقنيه، وعلمته رجلاً من أصحابنا كان مقتراً عليه في رزقه فرزقه الله تعالى ووسّع عليه». وقد نقل مضمونها السيّد ابن طاووس في مصباح الزائر مع بعض الاختلاف.
لكنّ الرواية ـ مضافاً لآحاديّتها، وانفراد الطوسي بنقلها ـ ضعيفة السند بعبد الرحمن بن إبراهيم المهمل جدّاً. وقاعدة التسامح لم تثبت، فلا يوجد صلاة مستحبّة بعنوانها من هذا القبيل، رغم اشتهار ذكرها في الرسائل العمليّة إلى يومنا هذا. وذكرُهم لها قد يكون مبنيّاً على قاعدة التسامح أو اعتماداً على ما يذكره كثير منهم في مقدّمات الرسائل العمليّة من أنّه ليس كلّ ما فيها من المستحبّات فهو ثابت الاستحباب عندهم.
حيدر حبّ الله
الخميس 30 ـ 3 ـ 2023م