تحدّث الفقهاء بمذاهبهم المتعدّدة في مستثنيات الغيبة، عن جواز غيبة المتجاهر بالفسق، فقالوا بأنّ الإنسان لو تجاهر بالمعاصي جازت غيبته، وبعد اتفاقهم تقريباً على جواز غيبة المتجاهر بالفسق إلا أنّهم اختلفوا في حدود هذا الترخيص في الغيبة، فهل هو خاصّ بالأمور والمعاصي التي تجاهر بها أو أنّه يشمل مطلق ما يرتبط به بحيث تكون حرمته قد سقطت على هذا المستوى سقوطاً تامّاً، فتجوز غيبته في غير ما تجاهر به أيضاً؟
ولعلّ رأي أغلب الفقهاء المعاصرين هو حرمة الغيبة في غير ما تجاهر به، وخالف في ذلك بعضٌ مثل السيد محمد سعيد الحكيم، فأجاز الغيبة مطلقاً في حقّه، مع تعريفه المتجاهر بالفسق بأنّه المتجاهر به أمام عامّة الناس، لا فقط أمام بعضٍ من أصدقائه أو جماعته.
والذي يبدو لي ـ بنظري المتواضع ـ هو جواز غيبة المتجاهر بالفسق فيما تجاهر به لو كان بحيث لو قيل بأنّه يفعل المعصية الفلانية لما تأذّى بذلك ولما اهتمّ له. وهذا الترخيص المقيَّد بما قلناه منحصرٌ ـ بالعنوان الأوّلي ـ بغيبته فيما تجاهر به، ولا يشمل غيبته في مطلق شيء بسبب تجاهره بمعصية أو معاصٍ محدّدة، وعليه فلو تجاهر شخص بشرب الخمر ولم يبالِ بحديث الناس عنه بذلك، جازت غيبته في ذلك، بينما لا تجوز غيبته في غير شرب الخمر ـ على تقدير اطّلاعنا عليه ـ كما لو كان تاركاً للصلاة ولا يعرف أحدٌ بذلك، فاطّلعنا نحن على تركه للصلاة بطريق خاصّ، فإنّه لا تجوز غيبته في ترك الصلاة وإن جازت في شرب الخمر.
وهذا كلّه على مقتضى العنوان الأوّلي كما أشرنا، لكن قد تجوز الغيبة (فيما إذا كان يبالي بذكره بهذا العيب أو في غير ما تجاهر به) لاعتبارات ثانويّة، مثل ما لو توقّف نهيه عن المنكر على غيبته، وكان نهيه أهمّ من تجنّب الغيبة، ففي مثل هذه الحال تجوز الغيبة بحدود مساحة العنوان الثانوي ومتطلّباته، وهكذا.
وهذه النتيجة التي توصّلنا إليها لا تستند إلى الروايات والمقدار المتيقّن من دلالة مجموعها على الاستثناء فحسب، بل تعتمد على تحليل مفهوم الغيبة ومقدار تحريمها في الأصل، بحيث يكون المتجاهر بالفسق خارجاً عن أصل تحريم الغيبة تخصّصاً، بلا حاجة إلى الروايات المستثنية التي تعاني من مشاكل في السند تارةً وفي بعض مديات المضمون أخرى، والمقام لا يسمح بالتوسّع.
حيدر حبّ الله
الأحد 29 ـ 5 ـ 2022م