المشهور بين فقهاء الإسلام، ومنهم فقهاء الإماميّة، هو القول بأنّ كل ّمسكر، عنبياً كان ـ وهو الخمر بالمعنى الأخصّ ـ أم غير عنبيّ، يحرم تناول القليل منه والكثير مطلقاً، سواء سَكِرَ الإنسانُ بالفعل من شربه أم لم يسكر، فلو تناول منه ولو مقداراً قليلاً من كوب، فقد فعل حراماً، وهذا هو المعروف بقاعدة: كلّ ما أسكر كثيرُه فقليلُه حرام. وهذه المسألة من المسائل التي شهدت نقاشات واسعة عبر التاريخ الإسلامي.
وخالف في هذا الرأي بعضُ فقهاء الأحناف، خاصّة بين المتقدّمين منهم، وكذلك بعض الباحثين المعاصرين، حيث قالوا بأنّ العصير العنبي المختمر هو الذي يحرم شربه مطلقاً، قليله وكثيره، أمّا سائر أنواع المسكرات، ومنها المسكرات الكيميائيّة اليوم والمسكرات المتخَذَة من غير العنب، فلا يحرم شربها في نفسه، وإنّما يحرم أن يشربها الإنسان بحيث تؤدِّي إلى حصول حالة السُّكْر عنده، فلو شرب منها مقداراً، لكنّه لم يسْكَر، لا يكون قد ارتكب حراماً، لهذا فشُربُ القليل منها دون سُكرٍ لا يحرم عندهم.
والذي توصّلتُ إليه هو صحّة ما ذهب إليه مشهور الفقهاء، وهو أنّ كلّ مُسكِر، سواء اتخذ من العنب أم من غيره، فإنّ شُربَ القليل منه والكثير حرام، سواءٌ حصل السُّكر فعلاً من وراء الشرب أم لم يسكر الإنسان بذلك، فقاعدة «ما أسكر كثيرُه فقليله حرام» قاعدةٌ عامّة صحيحة ثابتة في نفسها، حتى لو قلنا بطهارة الخمر.
ولمزيد تفصيل وتوسّع، راجع بحثي حول هذا الموضوع في كتابي المتواضع (فقه الأطعمة والأشربة 3: 21 ـ 146، الطبعة الأولى، عام 2020م).
حيدر حبّ الله
الاثنين 13 ـ 9 ـ 2021م