تعرّض الفقهاء المسلمون من أهل السنّة لمسألة سفر المرأة من دون محرم، وقد أفتى جمعٌ منهم بحرمة ذلك اعتماداً على بعض الروايات. أمّا الشيعة الإماميّة فكان من النادر تعرّضهم لهذا الموضوع في غير سفر الحجّ، ولهذا فإنّ المعروف بينهم هو الجواز. ومن الذين تعرّضوا له بشكل مطلق الشيخُ المفيد (413هـ)، حيث قال: mوليس للمرأة أن تسافر إلا مع ذي محرمٍ لهاn. أمّا سفر الحجّ فقد بحثه فقهاء الإماميّة، وكان المعروف بينهم أيضاً ـ وكذلك بين العديد من فقهاء أهل السنّة ـ عدم اشتراط المحرَم فيه.
وقد وظّف بعض المناصرين لمسألة منع المرأة من العمل والوظيفة هذه الفكرة، لتأكيد أنّ العمل بالنسبة للمرأة يتضمّن السفر وأمثاله عادةً، والمفروض أنّه محرّم، فينبغي القول بحرمة العمل على المرأة، على الأقلّ خارج المنزل، وأنّ العمل من شؤون الرجال فقط.
والذي توصّلت إليه هو أنّه لم يقم دليلٌ مقنع على حرمة سفر المرأة بلا محرم سواء للحجّ أم لغيره، كلّ ما في الأمر ـ كما يُفهم من النصوص الدينيّة نفسها ـ اشتراط أن تكون مأمونةً على نفسها ومالها في هذا السفر، بحيث لا يكون سفرُها من دون الزوج أو المحرَم تعريضاً لنفسها للضرر والأذية، وهو حكم يجري في حقّ الرجل أيضاً عند تحقّق ظروفه الموضوعيّة، كما هو واضح. وعليه، فمسألة المحرَم ليست سوى مثال لتحقيق أمن المرأة في الأسفار، فلو تحقّق الأمن بلا حاجة لسفر المحرم معها لم يكن هناك موجب لاشتراط المحرَم إطلاقاً.
ولا بأس بالإشارة هنا أيضاً إلى أنّه لا دليل إطلاقاً يمكن الاقتناع به على تحريم قيادة المرأة للسيّارة أو غيرها، ولو لوحدها ومن دون محرم.
لمزيد توسّع، انظر بحث سفر المرأة من دون محرّم، والمنشور ـ ضمن دراستي حول عمل المرأة في الشريعة الإسلاميّة ـ في كتابي المتواضع (دراسات في الفقه الإسلامي 2: 304 ـ 320، الطبعة الأولى، 2011م).
حيدر حبّ الله
الأحد 31 ـ 10 ـ 2021م