السائد بين العديد من الفقهاء أنّ الصائم إذا أدخل الماء إلى حلقه بمضمضةٍ أو غيرها، وصادف من غير قصدٍ منه أن دخل الماء إلى جوفه، فإن لم يكن ذلك لأجل مضمضة الوضوء لصلاة فريضةٍ، كما لو تمضمض للتبريد أو عبثاً أو لتنظيف فمه أو غير ذلك، لزمه قضاء هذا اليوم لكن لا تجب عليه الكفارة، وأمّا إذا كانت المضمضة لوضوء صلاة الفريضة، فإنّه يصحّ صومه ولا يجب عليه القضاء ولا الكفارة مطلقاً. بل كثير منهم عمّم الحكم لمضمضة وضوء الفريضة والنافلة.
وثمّة تفاصيل دخلوا فيها هنا من نوع أنّه هل يلحق الاستنشاق بالمضمضة أو بتعبير آخر هل يلحق إدخال الماء في الأنف بإدخاله في الفم أو لا؟ كما بحثوا في أنّه هل يشمل الحكم غير الماء كما لو تمضمض بعصيرٍ مثلاً أو أدخل في فمه طعاماً مثلاً للتذوّق أو غير ذلك؟ كما وقع تفصيل بينهم في أنّ الحكم هل يختص بصلاة الفريضة أو يشمل النافلة؟ فذهب بعضٌ إلى التعميم للفريضة والنافلة، فيما خصّصه آخرون بالفريضة، بل بعضهم عمّمه لمطلق الطهارة ولو لغير الصلاة دون تفريق أيضاً بين الوضوء والغسل، وهكذا.
والظاهر من السيّد محمد حسين فضل الله أنّ وجوب القضاء هنا هو من باب الاحتياط الاستحبابي، فيما يظهر من السيد محمد محمد صادق الصدر وجوب القضاء في جميع هذه الصور دون تمييز عنده ـ حسب الظاهر ـ بين المضمضة وغيرها، وبين وضوء الفريضة وغيرها.
والذي توصّلتُ إليه ـ والعلم عنده سبحانه ـ أنّه في جميع هذه الحالات لو سبقه الماء، وكان لا يتوقّع أن ينزل إلى جوفه، صحّ صومه، ولا يجب عليه القضاء ولا الكفارة مطلقاً، وإن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي هو القضاء في غير مضمضة وضوء الفريضة.
ومقتضى القاعدة في باب الصوم هو صحّة الصوم مطلقاً في جميع هذه الحالات، لكنّ الفقهاء إنّما دخلوا في هذه التفاصيل اعتماداً على ثلاث روايات عمدة هنا، بعضها صحيح السند، وهي: خبر سماعة وخبر يونس وخبر الحلبي، مع وجود رواية لعمّار تحتمل إطلاقاً يصحّح كلّ هذه الصور تقريباً إن لم نقل تحقيقاً، ويقف لصالح مقتضى القاعدة، غير أنّ الفقهاء قيّدوا رواية عمار ـ بناء على إطلاقها ـ برواية سماعة، ثم قيّدوا رواية سماعة برواية الحلبي، فنتجت عندهم تفصيلات.
وأنت ترى أنّها روايات آحاديّة، بل وفقاً لما توصّلتُ إليه في بعض البحوث المرتبطة بمعالجات الجمع العرفي بين النصوص، يبدو لي أنّ بعض هذه الروايات سوف يعاني من سوء بيان على تقدير قبوله التخصيص بالمخصّص المنفصل، فالإمام في خبر سماعة يوجب القضاء على العبث بالماء، لكنه يستثني حالة الوضوء، دون أن يشرح أيَّ نوعٍ من الوضوء، وفي المقابل نجد في خبر عمار ـ لو سلّمنا أنّه يتحدّث عن خصوص مضمضة الوضوء ـ أنّ الإمام لا يميّز، رغم تكرار السائل السؤال عن المضمضة الثانية والثالثة، بما يبدو أنّه في مقام معرفة تفصيليّة للحكم، لا يميّز له بين الفريضة والنافلة، في حين خبر الحلبي واضح في التمييز بينهما، ووفقاً لمسالك الفقهاء في معالجة هذا اللون من النصوص فهم لا يشعرون بحرج فيها، لكنّني أعتبر ـ كما بحثناه مفصّلاً في محلّه ـ أنّ قواعد الجمع العرفي لا بدّ لها أن تستبطن تبريراً معقولاً لعدم صدور القيود ـ غير نادرة التحقّق ـ من النبيّ أو الإمام في بعضها دون بعض، خاصّة وأنّ السائلين هنا هم من كبار فقهاء أصحاب الأئمّة كالحلبي وعمار وسماعة ويونس، هذا ورواية يونس تتحدّث عن المضمضة في وقت فريضة لا لصلاة الفريضة، ولعلّ المراد شيءٌ واحد. والمجال يسع لمزيد تفصيل نتركه هنا.
حيدر حبّ الله
الأحد 10 ـ 4 ـ 2022م