انقسم الفقه الإسلامي انقساماً كبيراً في موضوع زواج الرجل المسلم من المرأة الكتابية (أعني هنا: اليهوديّة والنصرانيّة)، فعلى المستوى الشيعي ظهرت ـ على الأقلّ ـ آراء ستّة، منها التحريم مطلقاً بلا فرق بين كون الزواج دائماً أو مؤقتاً، والترخيص مطلقاً كذلك، والتفصيل بين الزواج الدائم فلا يجوز والمؤقّت فيجوز، ولعلّ هذا القول هو المشهور بين المتأخّرين، وغير ذلك.
ومن الفقهاء المعاصرين الذين ذهبوا للترخيص مطلقاً: السيّد أبو القاسم الخوئي، والشيخ محمّد إسحاق الفياض، والسيد عبد الأعلى السبزواري، والسيد محمّد الروحاني، والسيّد كاظم الحائري، والسيد محمد حسين فضل الله (ما لم تكن زوجةً على مسلمةٍ قبلها)، والسيّد موسى الشبيري الزنجاني، والسيّد صادق الشيرازي، وغيرهم. وأفتى السيّد روح الله الخميني والسيد علي السيستاني وغيرهما بالجواز في المنقطع، مع الاحتياط لزوماً في الدائم.
أمّا على مستوى الفقه السنّي، فالمشهور هو جواز نكاح الكتابيّة، ومال بعضهم للكراهة، فيما فصّل بعض الفقهاء ـ كالأحناف ـ بين الذميّة، فيجوز الزواج منها، والحربيّة فلا يجوز إذا كانت في دار الحرب، وغير ذلك من التفاصيل العديدة.
والذي توصّلتُ إليه ـ والعلم عند الله ـ هو جواز نكاح الكتابيّة مطلقاً، سواء كانت ذميّةً أم حربيّة، تعيش في دار الإسلام أم في دار الكفر، وفق التقسيمات الفقهية الموروثة، وبلا فرقٍ أيضاً بين الزواج الدائم والمؤقّت، ولا بين حالة الاختيار وحالة الاضطرار، ولا بين كونها مستضعفة وغير مستضعفة. والأحوط الأولى أن لا يتزوّجها على مسلمةٍ قبلها.
نعم الاحتياط اللازم يتطلّب من المسلم أن يختار من بين المسلمات والكتابيات من لا يستوجب زواجُه منها ـ بنحو اليقين أو الاحتمال القويّ جدّاً ـ فسادَ دينه أو دين أولاده، وقد ألمحت بعض نصوص الحديث والأثر لهذه النقطة فلابدّ من أخذها بعين الاعتبار، بل لعلّه تحتملها الآيةُ نفسها بناء على القول بتفسير «المحصنات» فيها بالعفيفات، كما هو رأي بعض الفقهاء والمفسّرين.
وقد استند المانعون هنا لبعض النصوص القرآنيّة (البقرة: 221، والممتحنة: 10)، تماماً كما استند المجوّزون لنصوصٍ قرآنيّة أخرى (المائدة: 5)، وأمّا الروايات فوقع فيها غيرُ شكلٍ من أشكال التعارض والاختلاف. وعرضُ الموقف يتطلّب توسّعاً لا يسمح به المجال هنا، غير أنّ آية (المائدة: 5) تعتبر في تقديري الأكثر وضوحاً في الترخيص الشامل، فيما الآيات التي استدلّ بها على التحريم غير واضحة، خاصّة بملاحظة سياقاتها اللفظية والتاريخيّة، فضلاً عن تحليل نوعيّة العلاقة بين آية سورة المائدة وسائر الآيات من حيث موضوع النسخ والتقييد وغير ذلك.
حيدر حبّ الله
الجمعة 29 ـ 4 ـ 2022م