ذهب الكثير من متأخّري فقهاء الإماميّة إلى تحريم حلق اللحية. والبحث التاريخي الذي قمتُ به رجّح لي أنّ هذا الموضوع لم يُطرح في الفقه الإمامي بجدّية قبل القرن السابع الهجري، بل حتى بعده انقسم الفقهاء بين قول مشهور بالتحريم وآخر بالكراهة، وهو انقسام ما يزال قائماً إلى يومنا هذا، كما ينعكس في الاحتياطات الوجوبيّة للعديد من الفقهاء في المسألة. أمّا الفقه السنّي فقد مال مشهورُه للتحريم، ومع ذلك ظهر فيه تيار مخالف أيضاً، فراجع.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم حرمة حلق اللحية. والمفهوم من بعض النصوص الدينية الحثّ على التزيّن والتجمّل، لذا تجعل قضية اللحية في وجودها وطولها ومقدارها تحت العمومات الواردة في التزيّن والتجمّل، الأمر الذي يجعل الموضوع عرفياً عقلائياً يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأعراف.
وبناءً عليه، لا يحرم حلق أو تخفيف لحية الآخرين مع رضاهم، ويجوز أخذ الأجرة على ذلك. كما أنّ حلق اللحية للنفس أو للغير لا يكون فسقاً حتى يحكم بفسق فاعله، فتجوز الصلاة خلفه. كما أنّ بيع وشراء بل مطلق التعامل بأدوات الحلاقة الخاصّة بحلق اللحية أو معاجينها لا مانع منه شرعاً، وكذا إصلاحها على تقدير خرابها، بلا فرق في ذلك كلّه بين حالات الحرج والضرر أو استلزام عدم الحلق الاستهزاء أو الإهانة أو عدم استلزام ذلك كلّه.
ولا فرق في جواز الحلق بين أنواعه وأدواته بالموسى أو آلة أخرى أو النتف أو وضع بعض المستحضرات أو حتى بالأشعة، سواء لزم من ذلك عدم إمكان نباتها بعد ذلك أم لم يلزم، ما لم يكن في ذلك ضرر أو عنوان ثانوي آخر ملزم.
وللتوسّع راجع بحث «حلق اللحية، دراسة استدلاليّة في ضوء الفقه الإسلامي»، والمنشور في كتابي المتواضع: (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 3: 143 ـ 192، الطبعة الأولى، عام 2011م).
حيدر حبّ الله
السبت 11 ـ 9 ـ 2021م