تعرّض الفقه الإسلامي لمسألة تولّي ابن الزنا للمسؤوليّات والمناصب، مثل المرجعيّة والإفتاء وولاية الأمر والقضاء ومختلف المناصب السياسيّة والإداريّة والقضائيّة والاجتماعيّة. وكان توجّه الفقهاء ـ وبخاصّة المتأخّرين منهم ـ لمنع ابن الزنا من مناصب المرجعيّة والإفتاء وولاية الأمر. وفي القضاء كان الأمر كذلك إماميّاً، لكنّ فقهاء أهل السنّة اشتهر بينهم عدم منع ابن الزنا من تولّي منصب القضاء، غير أنّ المالكيّة كانت لدى بعض فقهائهم بعض الآراء، فذهب بعضهم إلى أنّه تجوز توليته غير أنّه لا يحكم في الزنا، وهذا قول سحنون. وقال أبو الوليد الباجي بأنّه لا يولّى مطلقاً. هذا، وقد حكم الكثير من الشافعيّة باستحباب كون القاضي معروف النسب.
والمعروف أنّه لا توجد أيّ آية أو رواية مباشرة، ولو ضعيفة الإسناد، في هذه الآراء كلّها، غير أنّ الفقهاء طبّقوا بعض المعايير العامّة وبعض المقاربات الكليّة والوجوه الاعتباريّة ليصلوا إلى هذه النتيجة التي وصلوا إليها. بل لقد اضطرّ الفقهاء هنا للتعرّض لتولية الإمام علي بن أبي طالب لزياد بن أبيه على بعض بلاد فارس، والمعروف أنّه ولد غير شرعي، وكانت لهم تخريجات متعدّدة في هذا الأمر.
والذي توصّلتُ إليه بنظري القاصر هو أنّه لم يقم دليلٌ معتبر على اشتراط طهارة المولد، لا في منصب المرجعيّة والإفتاء، ولا منصب ولاية الأمر، فضلاً عن سائر المناصب السياسيّة والاقتصادية والعسكريّة والأمنيّة والاجتماعيّة الأخرى. بل لم يقم دليلٌ معتبر أيضاً على عدم صلاحية ولد الزنا لتولّي منصب القضاء، بلا فرق بين قاضي التحكيم والقاضي المنصوب، شرط أن يحوز على سائر الشروط المعتبرة في القاضي والمفتي ووليّ الأمر ونحو ذلك، وبهذا يظهر أيضاً أنّ سائر الوظائف في مجال العمل القضائي العام أو الخاصّ لا مانع من تولّيه إيّاها، بما في ذلك منصب قاضي القضاة أو رئيس الجهاز القضائيّ.
لمزيد توسّع، راجع بحث «ولد الزنا في الفقه الإسلامي، قراءة وتقويم»، والمنشور في كتابي المتواضع (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 5: 315 ـ 388، الطبعة الأولى، 2015م).
حيدر حبّ الله
الاثنين 25 ـ 10 ـ 2021م