يذهب الكثير من الفقهاء إلى أنّ الماء المضاف وما يلحق به مثل العصائر والنفط وغير ذلك، إذا اتصل بالنجاسة تنجّس مطلقاً، بلا فرق بين حالة تغيّر أوصافه أو لا، ولا بين كونه قليلاً أو كثيراً، بل حتى لو بلغ مليون متر مكعّب. وبلا فرق أيضاً بين أن ىكون له مادّة كالنبع المتدفّق أو لا، فإنّه ينجس في جميع هذه الحالات ولن يمكن تطهيره أبداً إلا إذا تمّ تلاشيه في الماء المطلق الكثير بحيث استُهلك فيه تماماً.
لكن مؤخراً، ناقش السيد محسن الحكيم هذه المسألة ـ جزئيّاً ـ في بحوثه العلميّة، فاعتبر أنّ الماء المضاف الكثير جداً مثل النفط وغيره لا توجد أدلّة مقنعة للحكم بنجاسته مطلقاً بمجرّد ملاقاة عين النجاسة، لكنّه ـ أي الحكيم ـ أفتى بالنجاسة مطلقاً في رسالته العمليّة. وقد احتاط وجوباً ـ ولم يُفتِ ـ السيد موسى الشبيري الزنجاني في الماء المضاف الكرّي إذا لاقته عين النجاسة. بل قد احتاط استحباباً الشيخ يوسف الصانعي في تعليقته الفتوائيّة على تحرير الوسيلة فيما لو كان المضاف كثيراً جداً. بل أفتى ـ ودون احتياطٍ استحبابي ولا وجوبي ـ بعدم التنجّس في هذه الحال، أعني الكثرة الكاثرة، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي. وهو ما لعلّه المفهوم من فتاوى كلّ من السيد محمد الشيرازي والسيد صادق الشيرازي أيضاً. ويظهر من الشيخ محمد جواد مغنية موافقة السيّد الحكيم في موضوع آبار النفط، لكنّه يعتبر ذلك من باب أنّ النفط لا يندرج تحت عنوان الماء المضاف. ويبدو من الشيخ محمّد أمين زين الدين (1998م) الإفتاء بأنّه لو كان المضاف كثيراً جدّاً كآبار النفط، فإنّه لا ينجس بالانفعال المحض، نعم مع تغيّر الأوصاف ينجس. وقيّد الشيخُ محمد تقي بهجت انفعال المضاف بالنجاسة بعبارة: «في الموارد المتعارفة المحتمل تأثره فيها بالملاقاة». وقد استشكل الشيخ الوحيد الخراساني في عموم الحكم بتنجّس المضاف لبعض حالات الكثرة. وبعض الفقهاء ـ مثل السيد أحمد الخوانساري ـ علّق الموضوع على الإجماع، فإن تمّ فهو، وإلا فليس في الروايات عنده ما يفيد شيئاً هنا، خاصّة مع عدم وجود نصّ ديني واضح ومباشر في كليّةِ القضيّة.
وبهذا يتبيّن أنّ بعض الفقهاء المتأخّرين جدّدوا النظر في أمرين: أصل انفعال المضاف الكثير (الكرّي) بمجرّد ملاقاة النجاسة. وانفعاله لو كان كثيراً جداً لا ما إذا كان مجرّد ماء كرّيّ.
والذي توصّلتُ إليه بنظري القاصر هو أنّ الماء المضاف ـ وما يشبهه إن لم يكن منه كآبار النفط ـ إذا كان كثيراً (يبلغ أو يزيد عن مقدار الكر) فلا دليل على انفعاله بملاقاة النجاسة فضلاً عن ملاقاة المتنجّس، إلا إذا تغيّرت أوصافه، بلا فرق بين درجات الكثرة. بل لو كان كثيراً جداً وتغيّرت أوصافه فالحكم بنجاسته كلّه غير مقنع، بل ينجس منه ما يراه العرف ذا صلة بموضع التغيّر الوصفي (اللون والطعم والرائحة) لا غير.
حيدر حبّ الله
السبت 30 ـ 10 ـ 2021م