قد تُطرح إثارات أو استنكارات على تصوير الأنبياء والأئمّة وأمثالهم، حتى أنّ بعض الفقهاء المعاصرين رغم أنّ شركات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني ابتكرت العديد من الأفلام والمسلسلات التي ظهر فيها أنبياء عظام وسيّدات كريمات، مثل إبراهيم ويوسف ويعقوب ومريم وغيرهم، لكنّه عندما أريد إظهار وجه العباس بن علي عليه السلام ثارت ثائرته واعترض وهدّد. فكلّ فقيه أو عالم أو شخص ينظر للقضيّة بمعيار وبطريقة مختلفة، ولا أريد التعليق هنا، بل يهمّني فقط بيان الموقف الشرعي الأوّلي.
والذي توصّلتُ إليه، هو:
أوّلاً: إنّ هذه الصور المنتشرة في الأسواق أو غيرها قد تكون مستوحاةً من بعض الأحاديث والنصوص التاريخيّة التي تتحدّث عن توصيف النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلم أو أحد من أهل البيت أو بني هاشم أو الصحابة أو غيرهم. وثبوت تلك الروايات في حدّ نفسه يحتاج إلى كلام في مدى دقّة تلك النصوص في التوصيف الذي يسمح برسم صورةٍ على أساسه، ومدى إمكانيّة الوثوق بها. ولهذا من الصعب جدّاً نسبة هذه الصور إلى أحد من المتقدّمين معصوماً أو غيره، وربما تكون فيها بعض عناصر القرب من الصورة الحقيقيّة، فلا يصحّ التعامل معها على أنّها صور حقيقية معبّرة عن واقع الشخصية التي تحكي عنها.
واعتماد الرؤى والمنامات هنا باعتبار أنّ «من رآني فقد رآني، فإنّ الشيطان لا يتمثل بي» لا وجه له أيضاً، على تفصيل في محلّه، ولهذا لم يفتِ جمهور الفقهاء بحجيّة الرؤى والمنامات التي يفتي فيها الإمام بحكم شرعي للنائم (انظر على سبيل المثال: العلامة الحلي، أجوبة المسائل المهنائية: 97 ـ 98؛ والخوئي، صراط النجاة 1: 468).
أمّا صنعها، فلا بأس به، وكذلك الحال في المتاجرة بها أو اقتنائها أو غير ذلك، والعبرة في ذلك كلّه هو أن لا يكون هذا الأمر موجباً لهتك حرمة صاحب الصورة حيث لا يجوز ذلك. وتشخيص هذه المسألة شأنٌ شخصي، يمكن لأيّ إنسان أن يحدّده ويرى هل أنّ ذلك يوجب إهانة صاحب الصورة بحسب العرف العام أم لا، حتى لو اختلف تشخيصه مع تشخيص مرجع التقليد أو أيّ فقيه آخر، ما لم تصبح القضيّة ذات شأن عام يتدخّل فيها حكمُ الحاكم.
ثانياً: إنّ لعب أدوار الأنبياء والأئمّة وأمثالهم في المسلسلات أو الأفلام السينمائية والأعمال التلفزيونيّة والمسرحيّة وغيرها، هو أيضاً يخضع ـ شرعيّاً ـ لهذا المعيار نفسه، وهو أن لا يصاحبه أو يلزم منه محرّم ولا يكون فيه هتكٌ لحرمة أحدٍ لا يجوز هتك حرمته، بلا فرقٍ في ذلك بين الأنبياء والأئمّة، فضلاً عن غيرهم مثل أبي الفضل العباس أو عليّ الأكبر أو غيرهما. وليس في هذه المسألة نصوص ثابتة يرجع إليها، وإنّما تكون محكومةً لهذه المعايير العامّة وأمثالها لا غير، فإنّ لم تتحوّل لقضيّة عامة يُبدي الحاكم الشرعيّ فيها حكماً، وليس فتوى، فإنّ المكلّف هو المسؤول عن تشخيص الموقف عرفاً وعمليّاً من زاوية تحقّق المعايير الترخيصيّة أو غيرها.
حيدر حبّ الله
الأحد 27 ـ 2 ـ 2022م