اعتاد فقهاء الإسلام على ذكر ثلاث مراتب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن بينها مرتبة اليد، وفسّر مشهور الفقهاء هذه المرتبة بأنّها استخدام العنف أو القوّة أو الضرب ونحو ذلك بهدف منع المأمور والمنهيّ من تكرار فعل الحرام أو ترك الواجب، حتى بلغ بها بعضٌ جواز الجرح والكسر ونحوهما، بل والقتل أيضاً. وقد ذهب بعض الفقهاء إلى اشتراط هذه المرتبة بإذن الحاكم الشرعي. وقد لاحظتُ مؤخّراً ميل بعض فقهاء الإماميّة المعاصرين للتشكيك في ثبوت هذه المرتبة بهذا المعنى، مثل الشيخ جواد التبريزي (2006م) والشيخ يوسف الصانعي (2020م). بل علّق كلّ من المحقّق الأردبيلي (993هـ) والسيد تقي القمي (2016م) النتيجةَ على ثبوت إجماع، وإلا فسائر الأدلّة لا تنهض عندهم.
وقد كنتُ حدود عام 1998م، كتبتُ مقالاً حول الموضوع نُشر في إحدى المجلات، وأثار ضجّةً في حينه، ثم طوّرتُه أكثر من مرّة، والذي توصّلت إليه منذ ذلك الوقت وتأكّد لي بتكرار النظر في الموضوع، هو إنكار أصل وجود مرتبة ثالثة بهذا المعنى الذي فسّروها به. والقضيّة بنظري ليست مرتبطة بإذن الحاكم بالشكل الذي طرحوه، بل لا يوجد ما يدلّ على وجود هذه المرتبة في أصل الشرع نفسه. كلّ ما في الشرع هو وجود عقوبات محدّدة ولها طرق معيّنة لإثباتها، وقنوات قانونيّة لتنفيذها، تخضع للقوانين الجزائية والجنائيّة، مثل عقوبة القتل أو الزنا أو السرقة أو القذف أو نحو ذلك، فإذا أحببنا تسمية الجهاد والقوانين الجزائية والجنائية والقضائية بأنّها المرتبة الثالثة فلا بأس، وإلا فما هو المتداول بينهم من مرتبة ثالثة بهذا المعنى منفصلة عن نظام العقوبات وأمثاله في الشرع، بحيث كلّما لم تنفع مرتبة اللسان والقلب في التأثير على العاصي أمكنني استخدام العنف ضدّه.. هذا لا دليل عليه بنظري القاصر.
ولمزيد توسّع، انظر بحث مرتبة اليد في كتابي المتواضع: (فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 470 ـ 516، الطبعة الأولى، 2014م).
حيدر حبّ الله
الأحد 12 ـ 9 ـ 2021م