تحدّث الفقهاء عن حكم اللهو واللعب وأمثال ذلك في بحوثهم الفقهيّة، فتعرّضوا لتعريف هذه المفردات بالدقّة على المستوى اللغوي وعلى مستوى مجال التداول القرآني والحديثي، كما بحثوا الموقف الشرعي من اللهو واللعب بعنوانهما فهل اللهو بنفسه حرام ولو لم يتعنون أو يتضمّن أيّ محرّمٍ آخر أو لا؟
والذي قد يُفهم من بعض الفقهاء ـ مثل المحقّق الحلّي ـ هو حرمة اللهو في نفسه، وبسبب هذا التحريم صار السفر اللهوي ـ من وجهة نظره ـ سفرَ معصية موجباً لإتمام الصلاة دون قصرها، غير أنّ جمهور الفقهاء المتأخّرين مالَ لعدم تحريم اللهو بعنوانه، وإنّما المقصود منه اللهو المتعنون بعنوان تحريمي مثل اللهو الذي يصدّ عن ذكر الله ويعوق الإنسانَ عن أداء واجباته تجاه الله أو تجاه أسرته ومحيطه والإنسان الآخر وهكذا، أو يكون لهواً بأدوات محرّمة كاللهو بالقمار والمعازف المحرّمة وغير ذلك.
والأمر على الوتيرة نفسها في اللعب، بناءً على التمييز بينهما، حيث حاول بعض الفقهاء طرح بعض التمييزات من نوع أنّ اللعب هو التسلية غير المنطلقة من دافع عقلاني لكنّها خالية من أيّ منطلق شهواني، بينما اللهو هو التسلية من منطلق شهوي.
والذي توصّلتُ إليه برأيي المتواضع، هو أنّ اللهو واللعب ـ سواء كاناً أمراً واحداً أم متغايراً ـ ليسا محرّمين بعنوانهما، بل المحرّم منهما على مستوى الذات أو على مستوى الكثرة والإدمان، هو ما يتضمّن محرّماً أو يستلزم محرّماً. بل قد تكون بعض أشكال اللعب والتسلية واللهو محبّذةً عندما تقع ضمن سياق تحقيق غاياتٍ سامية منشودة، تضع الإنسان والمجتمع في موقع الارتقاء والتكامل على مستوى الصحّة البدنيّة أو النفسيّة أو الروحيّة.
وأمثلةُ اللعب واللهو المتضمّن للحرام أو المستلزم له متعدّدة، مثل أن يكون في اللهو أو اللعب أذيّة وإضراراً محرّماً بالنفس أو بالآخرين، أو يكون هناك إسراف ماليّ أو تبذير، أو يكون بذاته أو بالإكثار منه ممّا يصد عن الواجبات والفرائض تجاه الله والنفس والأسرة والمجتمع، ومن بين ذلك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي من الفرائض العظمى التي أهملها الأكثر وأساء استخدامها بعض المؤمنين، فكثير من الناس، بل وبعض المتديّنين، وبخاصّة الشباب الناشئة، لا يشعر بانتمائه لفريضة الأمر والنهي، والتي لا تقتصر على مجرّد أمر زيد بالصلاة أو نهي عمرو عن شرب الخمر، بل تتعدّى لإصلاح المجتمع بالحضور أو الكلمة أو القلم أو المشاركة، وبخاصّة في وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، والتي يفترض أن تكون منبراً للدعوة للمعروف الذي لا يقتصر على القضايا الدينيّة الخاصّة كالعبادات، بل يشمل أيضاً كلّ قضيّة عامة مطلوبة. فتضييع الوقت باللعب واللهو وخسارة العمر بهما دون القيام بمهمات الإنسان التي جاء لأجلها إلى هذه الحياة هو أمر مرفوض جداً، والمؤمن يلعب ويلهو للترويح عن نفسه وخلق فضاء إيجابي له ولأسرته ولأصدقائه ومجتمعه، فلا يكون لهوه أو لعبه لتسطيح وعي المجتمع والهبوط بثقافته أو دينه أو أخلاقه، أو لقتل روح المسؤوليّة والمبالاة فيه إزاء قضايا مجتمعه وأمّته وكل إنسان في هذا العالم.
بل لعلّ الإنسان يميل لتحريم اللهو واللعب، لكن بمعنى إدمان الملاهي والألعاب التي لا تجرّ أيّ نفع للمجتمع وللفرد بما في ذلك النفع الاقتصادي أو الروحي أو النفسي أو نحو ذلك، وبخاصّة الملاهي التي تصنع من الفرد ـ بذاتها أو بالإدمان عليها ـ شخصاً تافهاً سطحيّاً غير مبالٍ؛ فالأديان جاءت لتوعية الإنسان بأنّه أمام مسؤوليّة وحياة كبرى وقضايا جادّة، لا لكي يقضي عمره بتوافه الأمور ويتخلّى عن كلّ مسؤوليّاته أمام الله والمجتمع والتاريخ والأجيال.
ولا أريد الإطالة هنا، فما ذكره الكثير من النقّاد والمحقّقين من الفقهاء في موضوع اللهو واللعب واللغو كافٍ إن شاء الله، ومن يراجع النصوص القرآنيّة في هذا الصدد وكذلك النصوص الحديثيّة الموثوقة يصل لهذه النتيجة.
ولمزيد اطّلاع حول الألعاب العنيفة وحكمها الفقهي، راجع كتابي (إضاءات 4: 246 ـ 248، الطبعة الأولى، 2014م).
حيدر حبّ الله
الأربعاء 18 ـ 5 ـ 2022م