المعروف في الفقه الإسلامي أنّ الحجّ إذا تحقّقت شروطه وصار واجباً بالفعل على المكلّف كان فورياً، بمعنى وجوب المبادرة إليه في سنة الاستطاعة نفسها، وعدم جواز تأخيره إلى السنة اللاحقة، فضلاً عمّا بعدها. ولو فرض أنّه تركه في سنة الاستطاعة وجب عليه في السنة اللاحقة مباشرةً أيضاً، ولا يجوز تأخيره مرّةً أخرى إلى السنة التي تليها وهكذا. بل قد ادُّعي في كلمات بعض الفقهاء الإجماع والاتفاق وأمثال ذلك عليه. وذهب قليل من الفقهاء ـ كالسيّد السيستاني ـ إلى أنّ الوجوب هنا عقليٌّ من باب الاحتياط لئلا يلزم الإخلال بالواجب، وليس شرعياً كما لعلّه المشهور.
وقد خالف في أصل هذا الحكم بعضٌ قليل، فمنعوا من التسويف والتهاون أو التأخير لغير عذر عقلائي ولم يُلزموا بالفوريّة، ومن أبرزهم السيّد محمّد حسين فضل الله. ونُسب القول بالتراخي إلى الشيباني أو الشافعي، ونسب إلى سحنون إعطاء مهلة إلى بلوغ ستين سنة، وإلا فبنحو الفور، كما نسب التراخي ـ وفق ما قيل ـ إلى الكثير من مالكيّة المغرب وبعض العراقيين، وغير ذلك.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم وجوب الفوريّة في سنة الاستطاعة، خلافاً للمشهور، وإنّما القضيّة مرتبطة بحرمة تسويف الحجّ تسويفاً كاشفاً عن تهاون المكلّف واستخفافه، وهذا الأمر ـ أعني التسويف الكاشف عن التهاون ـ تارةً يحصل بالتأخير مرةً واحدة، كما لو ظنّ المكلّف ظنّاً قويّاً أنّه لن يكون قادراً إذا لم يحجّ هذه السنة على الحجّ بعدها، وأخرى بكون التأخير مكرّراً بحدّ المماطلة التي يفهم منها العرف التهاون بالأمر بلا عذر منطقي معقول، ونحو ذلك..
أمّا في غير ذلك، فلا يحرز حرمة التأخير ولو لغير عذر عقلائي، ولا وجوب المبادرة، خلافاً لما يظهر من بعض أفاضل المعاصرين، فلو أخّر الحجّ لغير عذر عقلائي ولم يصدق عليه الاستخفاف والتهاون عرفاً جاز، تماماً كتأخير قضاء الصلاة ليومٍ واحدٍ مثلاً لغير عذر عقلائي مع اعترافهم بأنّه لا يساوق دوماً التهاونَ والاستخفاف. نعم، لا شك في أنّ الفورية حسنة لو لم يكن هناك مزاحمٌ أهم. وعليه فلا القول بالوجوب الشرعي أو العقلي للفوريّة بنحوٍ مطلق صحيح، ولا القول بالتراخي، ولا فكرة الستين سنة، ولا نحو ذلك.
ولمزيد توسّع، راجع بحث «الفوريّة في وجوب الحجّ، محاولة قراءة جديدة»، والمنشور في كتابي المتواضع (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 2: 197 ـ 225، الطبعة الأولى، 2011م).
حيدر حبّ الله
الخميس 30 ـ 9 ـ 2021م