يطول النهار جداً أو يقصر كذلك في بعض البلدان في بعض أيّام السنة، الأمر الذي يترك تأثيره على الصيام بل والصلاة، من هنا كثر النقاش مؤخّراً حول معيار الصيام في البلدان التي يكون فيها ليلٌ ونهار، لكنّ النهار يكون طويلاً جداً مثل اثنين وعشرين ساعة.
والمشهور بين الفقهاء يُفترض أن يكون هو وجوب الصيام في هذه المدّة برمّتها لمن قَدِر على ذلك، فيما حاول بعض العلماء المعاصرين جعلَ البلدان المعتدلة في ساعاتها النهاريّة ـ مثل بلاد العراق والشام ومصر والمغرب وإيران والحجاز وأمثالها ـ معياراً لمن يصوم في البلدان الشماليّة التي يطول فيها النهار جداً، فيصوم الإنسانُ من بداية الفجر في أفق البلد الذي هو فيه، ويستمرّ سبع عشرة ساعة مثلاً ويفطر بعدها، حتى لو صادف وقتُ إفطاره وقتَ العصر أو قُبيل الغروب في البلد الشمالي الذي هو فيه.
وقد مال إلى ذلك في بحوثه الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، فيما جعل السيّد صادق الشيرازي المكلّفَ مخيّراً بين أن يصوم على أفق البلد الذي هو فيه ـ حيث يمكنه ـ ولو كان النهار طويلاً، وهو الأحوط استحباباً عنده، أو يجعل الفجر على وفق البلد الذي هو فيه لكنّ الإفطار يجعله على البلدان متوسّطة النهار مثل كربلاء. هذا في الصيام، أمّا في الصلاة فيُفتي السيّد صادق الشيرازي بأنّ العبرة بأفق البلد الذي يعيش فيه من البلدان الشماليّة، ولا تُجعَل أحكامُ الصلاة تابعةً لأيّ بلد آخر غير البلد الذي يسكن فيه المكلّف.. وغير ذلك من الآراء.
والصحيح ـ من وجهة نظري المتواضعة ـ هو ما سلكه المشهور، من وجوب صيام النهار كاملاً حتى في تلك البلدان؛ إذ:
أ ـ إمّا أن تكون أدلّة وجوب الصيام غير شاملة للنهار الطويل جداً، بل منصرفة عنه؛ انطلاقاً من العجز النوعي عن صيام مثل هذا النهار، بما يوجب سقوط أصل وجوب الصيام عن المكلّف هناك.
ب ـ أو تكون تلك البلاد في حكم غيرها، يُعمل فيها على وفق أُفُقِهَا هي، لا على وفق أفق بلدٍ آخر، فلا فرق بين البلاد في ذلك، تماماً كالصلاة.
وعليه فمن قدر على الصيام هناك ولو يوماً كلّ ثلاثة أيام أو أربعة مثلاً وَجَبَه، وإلا جاز له الإفطار على طبق القاعدة، ولزمه قضاء الصيام حيث يقدر عليه في أيّامٍ أُخَر.
وقد سبق لي التعرّض باختصار لهذا الموضوع في كتاب (إضاءات 4: 248 ـ 249، الطبعة الأولى، 2014م).
حيدر حبّ الله
الاثنين 20 ـ 9 ـ 2021م