لعلّ المشهور بين فقهاء الإماميّة هو القول بكراهة التقدّم على قبر المعصوم في الصلاة (استدبار القبر)، وكذلك التساوي، فلو صلّى وجعل القبر خلفه فهو مكروه. لكن ذهب بعضهم ـ ولعلّ من أوائلهم الشيخ البهائي في القرن الحادي عشر الهجري، وتبعه بعض المتأخّرين ـ فقالوا بالمنع عن التقدّم على قبر المعصوم، وقد بحث الفقهاء هذه المسألة في باب مكان المصلّي.
غير أنّ العديد من الفقهاء المتأخّرين والمعاصرين ـ بل لعلّه المشهور بينهم اليوم ـ رفضوا القول بالمنع، بل بعضهم رفض حتى الكراهة إلا على مبنى التسامح في أدلّة السنن، وخصّصوا المنع عن التقدّم أو التساوي بحالة ما لو لزم منهما هتك حرمة المعصوم أو سوء الأدب معه، ولهذا قالوا بأنّه مع الحائل أو المسافة البعيدة يرتفع هذا المحذور ولا يكون هناك بأس. نعم احتاط بعضهم.
والذي توصّلتُ إليه ـ والله العالم ـ أنّه لم يثبت لا حرمة ولا كراهة التقدّم ولا التساوي على قبر المعصوم، لا في الصلاة ولا في غيرها، ما لم يلزم منه عنوان ثانوي تحريمي أو كراهتي، مثل هتك الحرمة ونحو ذلك، فتصحّ الصلاة مطلقاً بالعنوان الأوّلي ولا يكون قد ارتكب حراماً، وإن كان مقتضى الاحتياط الاستحبابي عدم الاستدبار. ومنه يعلم أنّه لا فرق بين قبر المعصوم وغيره مع وجود العنوان الثانوي التحريمي أو مع عدمه.
والمستند الأساس هنا في التساوي مرسلة الحميري في الاحتجاج، وهي على ضعفها السندي وتفرّدها بهذا الحكم، معارضة برواية الحميري نفسها في مصادر أخرى؛ حيث تنصّ تلك على جواز الكون عن اليمين والشمال من القبر.
وأمّا المنع عن التقدّم، فعمدته ثلاث روايات إحداها عين مرسلة الاحتجاج المتقدّمة، والثانية ضعيفة بعبد الله الأصَمّ المتَّهَم بالكذب والغلوّ، والثالثة هي رواية الحميري الواردة بطريق الطوسي، وهي العمدة. والتحقيق عدم صحّتها سنداً، ليس فقط لاحتماليّة الإرسال فيها من قبل الراوي، بل لمشاكل أخرى تتصل بمحمّد بن أحمد بن داود وطريق الطوسي إليه. هذا فضلاً عن أنّ الكلّ هنا خبرٌ آحادي، فتتميمُ القول بالحرمة أو الكراهة مشكلٌ. والاحتياط حسنٌ.
حيدر حبّ الله
الأحد 9 ـ 10 ـ 2022م