صرّح بعض الفقهاء بتحريم الرقص مطلقاً: الرجال للرجال (أي أمامهم)، والنساء للنساء، والرجال للنساء، والنساء للرجال. وممّن حرّم الرقص مطلقاً السيد محمّد رضا الكلبايكاني والشيخ ناصر مكارم الشيرازي والشيخ لطف الله الصافي مع استثناء رقص الزوجة لزوجها، بل مكارم الشيرازي حرّم النظر للرقص أيضاً. واحتاط وجوباً في مطلق الرقص السيد السيستاني والشيخ حسين علي المنتظري مستثنين رقص الزوجين منفردين، وهو ما يظهر من الشيخ محمّد تقي بهجت أيضاً.
ويبدو أنّ لهم أكثر من مستند لذلك، مثل اعتبار الرقص نوعاً من اللهو والباطل والسفاهة، مع الاعتقاد بحرمة مطلق اللهو والباطل، أو الاعتماد على تنقيح مناط تحريم الغناء، باعتبار أنّه لخصوصيّة الطرب والخفّة. والرقصُ فيه طربٌ وخفّة. أو الاستناد إلى خبر السكوني عن الإمام الصادق عن النبيّ‘ أنّه نهى عن الزَّفْن، والمراد بالزّفن في اللغة العربيّة الرقصُ، وغير ذلك من الوجوه.
وفي المقابل، صرّح السيد محمّد سعيد الحكيم في بحوثه الاستدلاليّة بعدم تحريم الرقص بعنوانه، أمّا إذا احتفّ بما هو حرام من الملاهي والخمر والغناء وإثارة الغرائز وأمثال ذلك، فيكون محرّماً. كما صرّح بعض العلماء ـ مثل السيد الخوئي والشيخ جواد التبريزي والسيد علي الخامنئي ـ في استفتاءاتهم بعدم حرمة الرقص المجرّد عن الأمور المحرّمة، وإن كان الشيخ التبريزي يظهر منه في استفتاءات أخَر الاحتياط في القضيّة بدرجةٍ ما، والمنع عن رقص المرأة أمام الرجال ولو كانوا من المحارم.
وأمّا التصفيق، والمراد منه الضرب المنظّم بالأيدي، لا مطلق ضرب الكفّ على الكفّ ولو مرّة واحدة، فقد حرّمه بعضهم من باب أنّه لهوٌ وخِفّة وطرب. لكنّ السائد بين الفقهاء حليّته وهم يصرّحون بذلك. نعم احتاط وجوباً في ترك التصفيق في المناسبات الدينيّة ومجالس أهل البيت الشيخُ جواد التبريزي، وأمّا السيد محمّد رضا الكلبايكاني فحرّم التصفيق في المناسبات الدينية مطلقاً، وأمّا في غيرها كالأعراس فهو حرام عنده إذا ناسب مجالس اللهو. وصريح الشيخ محمد تقي بهجت حليّة التصفيق حتى في المناسبات الدينيّة إذا لم يبلغ حدّ اللهو. وهو ما يصرّح به السيد علي الخامنئي حيث يرى حلية التصفيق مطلقاً إذا لم تترتّب عليه مفسدة، ويبدو أنّ هذا هو رأي السيد السيستاني أيضاً.
وأمّا أهل السنّة، ففيما عرف عند الشافعية الترخيص في الرقص في نفسه ما لم يحتفّ بمحرّم، مال الكثيرون من غيرهم للحكم بكراهته. أمّا التصفيق فبعضهم اعتبره محرّماً للرجال؛ لأنه من التشبّه بالنساء، مع الأخذ بعين الاعتبار حديث: «إنّما التصفيق للنساء»، وهو حديث وارد أصلاً في الصلاة لا مطلقاً.
والذي توصّلتُ إليه هو حليّة الرقص والتصفيق مطلقاً فعلاً ومشاهدةً، إذا لم يلزم منه مفسدة محرّمة كإثارة الغرائز نوعاً، مثل رقص النساء للرجال الأجانب، أو هتك حرمة المجالس الدينيّة لو كان في التصفيق ما يوجب الهتك لها، وهو أمرٌ يُشخّصه المكلّف، ونحو ذلك. ولا دليل على حرمة مطلق اللهو واللعب، هذا لو سلّمنا أنّ مطلق الرقص هو لهوٌ ولعب أو خفّة وسفاهة، ليست له فوائد عقلائيّة، خاصّة بعد تنوّع أشكال الرقص وفنونه وما هو موجود من دراسات حوله اليوم. كما أنّ روايةَ السكوني، لو سلّمنا وجود دلالة إطلاقيّة فيها، ضعيفةُ السند عندي بالنوفلي ـ والعديد من العلماء لا يوثّق النوفلي أيضاً ـ بل هو خبر آحادي ظنّي منفرد في بابه. وقياس مطلق الرقص على الغناء من حيث الخفّة والطرب لا دليل عليه، بل هو قياس مع الفارق، حتى لو قلنا بحرمة الغناء. وممّا قلناه يعلم طريقة مقاربة مستندات تحريم التصفيق.
ويترتّب على هذا كلّه جواز تعليم الرقص وتعلّمه، فيما لو كان هناك وثوق أنّ ذلك لا يؤدّي إلى قيامهم بفعل الرقص المحرّم في المستقبل، ولا يلزم منه مفسدة تبلغ حدّ التحريم، وكان نوع الرقص من غير ما هو بطبيعته يؤدّي إلى انهيار الحصانة الأخلاقيّة والإيمانيّة للإنسان.
حيدر حبّ الله
الخميس 11 ـ 11 ـ 2021م