ذكر الكثير من الفقهاء أنّه يكره مشاركة المسلم لأهل الذمّة من اليهود والنصارى، وكذلك غير أهل الذمّة من سائر من هو غير مسلم. وقد نَسَبَ العلامةُ الحلّي ذلك إلى ما ظاهره الإجماع. وقد نصّ غير واحدٍ من المتأخّرين على هذه الكراهة في الرسائل العمليّة إمّا أخذاً بها اعتماداً على الدليل أو على قاعدة التسامح أو على رجاء المطلوبيّة، ومن هؤلاء: السيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد محمّد الروحاني، والسيد محمّد صادق الروحاني، والشيخ محمّد إسحاق الفيّاض، والشيخ الوحيد الخراساني، وغيرهم.
كما نصّ غير واحدٍ من فقهاء أهل السنّة على الكراهة، كالنووي وغيره، بل ظاهر عبارات بعضهم هو التحريم وعدم صحّة الشركة. وقيّده بعضهم بحالة ما إذا لم يلتزم الذمي بالضوابط كأن يبيع الخمر أو يتعامل بالربا. وفي رواية السكوني عن الإمام الصادق أنّ الكراهة مقيّدة بأن لا يغيب المسلم عن المعاملات والعقود والأنشطة التجاريّة بحيث يتفرّد بها غير المسلم.
والذي توصّلتُ إليه هو جواز مشاركة المسلم لغير المسلم في جميع أنواع المعاملات والشركات والعقود التي لا تتضمّن ما يخالف الشرع الحنيف، ولم يثبت تحريم ذلك لا تكليفاً ولا وضعاً، بل إنّ الكراهة أيضاً غير ثابتة. والذي يفهم من النصوص، وبخاصّة بعد ضمّ روايات الشركة لروايات المزارعة والمساقاة، وضمّ المجموعتين معاً لنصوص الفقه السنّي.. الذي يُفهم هو أنّ هذا الحذر من مشاركة الذمّي أو مطلق غير المسلم منطلقه عدم الثقة بأنّه سوف يُجري معاملاته بشكل صحيح على الطريقة الشرعيّة، ولهذا استثنت رواية السكوني حالة التجارات الحاضرة التي لا يغيب عنها المسلم، وهو بعينه ما أشارت له مدوّنات الفقه السنّي. وبناءً عليه فإنّ القصّة لا تكمن في المسلم وغير المسلم، بل في مشاركة أو التعامل المالي مع شخصٍ ينضبط لقواعد الشرع أو لا، فإذا كان في مشاركة ذلك الشخص ـ مسلماً أو غير مسلم ـ توريطاً للمسلم المتديّن ـ من حيث لا ينتبه ـ في معاملات غير شرعيّة كبيع الخمر، بحيث كان احتمال ذلك معتدّاً به أو قويّاً، فإنّ الراجح للمتديّن هو ترك مثل هذه المشاركة، وإلا فيجوز بلا كراهة، سواء كان الأمر مع مسلمٍ أو مع غيره، فالنكتة ليست في الانتماء الديني للشريك بعنوانه، بل في ضمان عدم توريطه لشريكه في معاملات غير شرعيّة، فانتبه وتأمّل يظهر لك المقصد والمناط من مجمل هذه النصوص الروائيّة والفقهيّة هنا، والله العالم.
حيدر حبّ الله
الخميس 7 ـ 9 ـ 2022م