ذهب مشهور الفقهاء إلى أنّه يلزم إزالة الحاجب المانع من وصول الماء عن أعضاء الوضوء والغسل، ليصحّ وضوء الإنسان وغسله، ولا فرق في ذلك عندهم بين الحاجب الكبير والصغير واللاصق والمنفصل كالسوار، فكلّ هذا عندهم ممنوع يجب رفعه قبل الوضوء، وإلا فلو كان على أعضاء الوضوء أو الغسل حاجبٌ يمنع وصول الماء ـ ولو إلى مقدار رأس إبرة ـ إلى البشرة، بطل الوضوء والغسل.
وخالف في ذلك السيّد محمّد حسين فضل الله (2010م)، فذهب إلى التفصيل بين الحاجب اللاصق الذي يلحق بالبدن كالطلاء الذي تضعه النسوة على أظافرهنّ، فحكم بجوازه، بمعنى أنّه لا يُبطل وجودُه الوضوءَ، فهو ملحقٌ باليد، وبين الحاجب المنفصل كالسوار والساعة في اليد لو كانتا تمنعان وصول الماء إلى ما تحتهما مثلاً، فهذا لا يجوز عنده، بمعنى أنّ وجوده يبطل الوضوء.
والذي توصّلتُ إليه في دراستي لهذا الموضوع يخالف الرأيين المتقدّمين معاً، إذ ميّزتُ في الحاجب بين ما يعدّ عرفاً ـ بحسب حجمه ومساحته وسماكته ـ موجباً لعدم صدق غسل اليد، وبين ما لا يعدّ كذلك:
أ ـ ففي الحالة الأولى (ما يكون الحاجب فيه كبيراً بملاحظة مجموع مساحته وسماكته) يكون الوضوء والغسل باطلين؛ لأنه يرجع إلى عدم صدق الغسل عرفاً، والمفروض أنّه مأمور به في الكتاب والسنّة.
ب ـ أمّا في الحالة الثانية (كون مقداره بسيطاً بملاحظة حجمه وسماكته) فيصحّ الوضوء والغسل.
وهذا بلا فرق في الحالتين المتقدّمتين بين أن يكون الحاجب متصلاً أو منفصلاً، فالمعيار هو صدق الغسل عرفاً، لا صدق الغسل فلسفيّاً ودقيّاً، فلو وضعنا مقداراً بسيطاً من الحبر على اليد بحيث لا تتجاوز مساحته أعلى رأس السبّابة مثلاً، فهنا لا يقول العُرف بأنّنا لم نغسل يدنا، بل يقول: فلانٌ غسل يده، أو غسل بدنه، فيصحّ الوضوء سواء كان العازل هنا حبراً أو طلاءً أو حتى أمراً منفصلاً غير متصل بالجسم، أمّا لو وضعنا كميّةً من الطلاء السميك، بحيث غطى كفّنا كلّه مثلاً، أو وضعنا ما يشبه الجبيرة على قدمنا ومسحنا عليه، ففي هذه الحال لا يقال عرفاً بأنّه تمّ غسل اليد كلّها، كما لا يقال كذلك بأنّه تمّ مسح القدم، فيبطل الوضوء.
ولو شككنا في أنّ الحاجب هل بلغ ـ بحسب مساحته ونوعه ـ مبلغ أن يكون مبطلاً للوضوء ومانعاً عرفاً عن صدق غسل اليد، فهنا يلزم رفعه، لتحصيل فراغ الذمّة اليقيني عن التكليف المأمور به وهو غسل الأعضاء.
راجع بحث «حكم الحاجب في الطهارة» والمنشور في كتابي المتواضع (دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر 3: 193 ـ 228، الطبعة الأولى، 2011م).
حيدر حبّ الله
الاثنين 4 ـ 10 ـ 2021م