أثيرت هذه المسألة مؤخّراً بفعل انتشار فيروس كورونا، وتعدّدت الآراء بين العلماء وفقهاء المسلمين بمذاهبهم المختلفة، في كيفيّة إقامة صلاة الجماعة مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي المطلوب للوقاية من الإصابة بالفيروس. وقد كان ذلك فرصةً مناسبةً لي لدراسة هذا الموضوع فقهيّاً من أصله، بصرف النظر عن حالة فيروس كورونا.
والذي توصّلتُ إليه بنظري القاصر أنّ العبرة في صحّة صلاة الجماعة وانعقادها هو صدق الاجتماع خلف إمامٍ على الصلاة عرفاً، وفاقاً لما يُفهم ممّا طرحه السيّد محمّد باقر الصدر (1980م) في تعليقته على منهاج الصالحين، وهو المنسوب لبعض الفقهاء المتقدّمين أيضاً، بل لعلّه المفهوم من ذهاب العديد من الفقهاء المتأخّرين والمعاصرين للاحتياط الوجوبي ـ وليس الفتوى ـ في ضرورة أن يكون الفاصل بمقدار لا يزيد عن الخطوة وأمثالها.
وعليه، فالمهم هو أن يصدق أنّ هذه المجموعة من الناس مجتمعون في مكانٍ واحد يؤدّون الصلاة معاً، حتى لو كان بين كلّ واحد منهم ما يزيد عن شبر، أو عن مرقد عنز، أو يتجاوز مسافة ما يُتَخَطّى، أو يَتَخَطّى المتر وخُمس المتر، أو حتى بضعة أمتار. أمّا لو لم يصدق أنّهم في مكانٍ واحد ولم يصدق أنّهم مجتمعون فيه على الصلاة عرفاً، بحيث كانت المسافات متباعدة جدّاً، كما لو التحق شخصٌ بالجماعة القائمة في المسجد من بيته، مع أنّ بيته يقع في مدينةٍ أخرى أو حيّ آخر منفصل تماماً (بصرف النظر عن مسألة الحائل)، أو التحق بالجماعة في المسجد الحرام وهو في الطريق الذي يفصله عن المسجد مئات الأمتار مثلاً، أو ما يفعله بعض الناس من الالتحاق بالجماعة عبر التلفاز.. ففي مثل هذه الحالات لا تصحّ الجماعة ولا تصدق، ولا تترتّب عليها أحكامها.
نعم، الراجح في الجماعة هو أن لا يكون بين المصلّين فُرَج أو خلل أو ما يزيد عن الخطوة وأمثالها، بل تكون صفوفهم متراصّة ملتصقة، لكنّ ذلك ليس شرطاً في صحّتها وترتيب الآثار عليها.
حيدر حبّ الله
الجمعة 17 ـ 9 ـ 2021م