المعروف بين الكثير من الفقهاء أنّه لا تجوز إمامة «الناقص للكامل» حسب تعبير بعضهم، فمن هو مصاب بالفالج لا يمكنه أن يكون إماماً في الجماعة لمن هم أصحّاء، فالقاعد أو المقعَد لا يمكنه أن يكون إماماً للقائمين غير المصابين، والمضطجع لا يؤمّ القائمين ولا القاعدين، إلى غير ذلك من الأمثلة. بل بحثوا في جواز إمامة «الناقص» لمثله، فهل يمكن للمقعد أن يؤمّ المقعدين أو لا؟ ذهب بعضهم للمنع، وقبل الآخرون إمامَته. وبعض الفقهاء خصّص الحكم بخصوص القاعد والقائم وأمثال ذلك.
ويظهر من الحرّ العاملي المخالفة في ذلك؛ حيث عَنْوَنَ البابَ في كتابه «تفصيل وسائل الشيعة» بعنوان الكراهة لا أكثر.
أمّا الفقه السنّي، فكان لديه انقسامٌ آخر، أوسع وأشدّ وأكثر تعقيداً، حيث اختلفوا في أنّه هل يجب على المأمومين الجلوس إذا كان الإمام يصلّي من جلوس أو لا؟ وهل يشمل الحكم حالة طروّ العذر على الإمام أثناء الصلاة أو مطلقاً؟ واعتمدوا في ذلك على رواية نبويّة نقلها بعض أصحاب الصحاح والكتب الحديثيّة تفيد الصلاة من جلوس، وأنّ النبيَّ أمرهم بذلك حتى لا يتشبّهوا بالفرس وغير ذلك. وذهب بعض الأحناف إلى صحّة إمامة القاعد للقائم إذا أمكنه الركوع والسجود وإلا فلا، ومال الكثير من الشافعيّة للجواز مطلقاً، وتوجد تفصيلات أخرى أيضاً لدى بعضهم بين الإمام الراتب وغيره، يمكن مراجعتها في الكتب الفقهيّة السنيّة المطوّلة.
والذي توصّلتُ إليه ـ بنظري المتواضع ـ هو عدم ثبوت هذا الشرط أساساً، فلا فرق في الإمام بين حالاته التي يُعذَر فيها، سواء كانت في الشرائط كإمامة المتيمّم للمتوضئ، أم في الأفعال والهيئات كإمامة القاعد للقائم والمضطجع لهما، وغير ذلك، ففي جميع هذه الحالات يمكنه أن يؤمّ الناس مطلقاً ما دام معذوراً وتُعتبر صلاتُه ـ حتى من وجهة نظر المأمومين ـ صحيحةً، سواء كان المأمومون لديهم نفس الحالة التي لديه أو أقلّ أو أزيد أو غيرها أو ليس لديهم شيءٌ منها.
ومستند فقهاء الإماميّة هنا ـ مضافاً لدعوى الشهرة والإجماع محتملَي المدركيّة ـ بعضُ الروايات القليلة جدّاً، وجميعُها على التحقيق ضعيف الإسناد، وقد حاول غير واحدٍ جبر سندها بعمل الأصحاب بها، فيما صحّح بعضهم سند روايةٍ هنا، وهي خبر السكوني المرويّ بطريق النوفلي، والتحقيق ضعف السند بالنوفلي، كما بحثنا عنه مراراً، وفاقاً لغير واحد من علماء الجرح والتعديل. فليس في المقام سوى أخبار آحاديّة لا تزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة، وكلّها ضعيفة الإسناد. كما أنّ روايات أهل السنّة في جلوس المأمومين حال جلوس الإمام، رغم قدرتهم على القيام، غير قابلة للقبول؛ لأنّها روايات آحاديّة، ومن الصعب الخروج بها ـ وهي قليلة العدد جداً، بل قد يُدّعى بينها نوع تعارض كما أقرّ بعضهم بذلك ـ بما يخالف مقتضى القواعد في أحكام الصلاة، وبخاصّة أنّ القيام من الأركان، لا من مطلق الأفعال.
وأمّا دعوى أصالة عدم المشروعيّة، فهي لم تثبت، ويتأيّد ذلك بأنّ العرف الذين اطّلعوا على روايات وسلوكيّات صلاة الجماعة لا يرون أيّ مائز بين هذه الأمور، بل يُلغون الخصوصيّات، تماماً كما ألغوا خصوصيّاتٍ كثيرة، ولولا وجود روايات خاصّة في المقام لربما ما انقدح في ذهنهم ذلك، والعلم عند الله.
وأمّا القول بأنّ مفهوم التبعيّة يقتضي المسانخة بين فعل الإمام والمأموم، وهي غير متحقّقة في مثل إمامة المضطجع للقائم.. فهو الآخر لا دليل عليه، فإنّ ركوع كلّ مكلّف بحسبه، وسجوده كذلك، فيصدق عرفاً أنّه تابَعَ الإمامَ في الركوع والسجود، فمن غير المفهوم دعوى بعض أعلام العصر عدم الصدق العرفي، فإنّ المتابعة تختلف عن مفهوم المطابقة والمماثلة هنا. واللافت للنظر أنّهم عندما أشكلوا على أنفسهم بإمامة الكامل للناقص، كإمامة القائم للقاعد، حيث لا توجد متابعة بالمعنى الذي فهموه.. اعتبروا أنّ الدليلَ هو الإجماع والروايات التي أخرجتنا عن ذلك، في حين أنّ هذا الإجماع وهذه الروايات تكفي منبّهاً على كون المورد يصدق عليه المتابعة عرفاً، فلا حاجة لجعلها تخصيصاً في الحكم، بل هي تبيينٌ للقاعدة نفسها في صدق عنوان المتابعة في هذه الحال.
والكلام فيه مزيد تفصيل لا يسعه هذا المختصر.
حيدر حبّ الله
الخميس 12 ـ 5 ـ 2022م