المعروف في الفقه الإمامي تحريم أكل المسوخ، وهي الحيوانات التي مُسخ على شكلها إنسان. وقد وردت جملة من الروايات في هذا الصدد وفي تحديد هذه الحيوانات بلغت بها العشرات. أمّا الفقه السنّي فنادراً ما تعرّض لهذا الموضوع، غير أنّ إشارات فقهيّة في كلمات بعض الفقهاء الأحناف تعطي أنّ فكرة تحريم المسوخ موجودة، كما أنّ ابن حزم الأندلسي يشير إلى وضع روايات المسوخ وكذبها، فيما السيّد المرتضى يحكي عن أنّ المخالفين لمذهب التشيّع كانوا يسخرون من روايات المسوخ. وهذا كلّه ـ وغيره ـ يدلّ على أنّ فكرة المسوخ خضعت لنوعين من النقاش: نقاش في أصل الظاهرة وحدود الحيوانات الممسوخة، ونقاش في الحكم الفقهي لهذه الحيوانات التي مسخ على شكلها إنسان من حيث الأكل ونحوه.
والذي توصّلتُ إليه بعد دراسة الأدلّة المختلفة هنا هو عدم حرمة أكل المسوخ بعنوان أنّها مسوخ، إذ الأغلبيّة الساحقة من الروايات إمّا لا دلالة فيها على تحريم المسوخ، أو أنّ فيها دلالة لكنّها ضعيفة الإسناد، أو هي ضعيفة السند والدلالة معاً، بل بعضها ضعيف المتن ويخضع لمناقشات متنيّة نقديّة أيضاً، ولا يسلم ـ في بحث الأطعمة والأشربة ـ إلا شيءٌ يسير جداً لا يمكن البناء عليه إلا وفقاً لحجيّة خبر الثقة دون الموثوق المطمأنّ بصدوره، وبخاصّة وفقاً لما بحثناه مفصّلاً في مقارنة النصوص الحديثية بالنصّ القرآني في موضوع الأطعمة والأشربة.
فالصحيح عدم حرمة أيّ شيء من المسوخ بعنوان المسوخ، نعم لحم الخنزير حرام بنصّ القرآن والسنّة، سواء كان من المسوخ أم من غيرها، فحرمته بعنوانه. ولو قلنا بالحرمة ـ ولو احتياطاً ـ فإنّ الحيوانات الثابت كونها من المسوخ ـ وفقاً لحجيّة خبر الواحد الظنّي ـ ليست إلا: القرد والخنزير والفأرة والضبّ والدَّبا والمهرجل، أمّا غير هذه الحيوانات من عشرات الحيوانات التي قيل بأنّها من المسوخ (مثل الفيل والدبّ والطاووس والذئب والأرنب والوطواط والجرّيث والعقرب والزنبور والزمّير والمارماهي والوبر والوَرَل وغيرها) فإنّ أدلّة كونها من المسوخ والرنب فأدلّة ضعيفةٌ من حيث المصدر أو الدلالة أو السند أو المتن أو نحو ذلك، فلو حرم واحدٌ منها، فبدليل مستقلّ غير معيار المسوخ، تماماً كما هي الحال في الخنزير.
لمزيد توسّع، راجع بحث المسوخ في كتابي المتواضع (فقه الأطعمة والأشربة 1: 339 ـ 356، الطبعة الأولى، 2020م).
حيدر حبّ الله
الخميس 25 ـ 11 ـ 2021م