تعدّ مسألة إضرار الإنسان بنفسه من القضايا الفقهيّة التي تمّ تناولها في دراسة أمورٍ فقهية متعدّدة ومهمّة اليوم، ومن أبرز أمثلتها: التدخين بأنواعه، حيث ذهب بعض الفقهاء إلى حرمته؛ لكونه موجباً للضرر؛ والتطبير (ضرب الرؤوس بالسيف في بعض المناسبات الدينيّة) وأمثاله، حيث حرّمه بعضهم من باب الضرر.
وتوجد أربعة مستويات لفكرة الإضرار بالنفس: أحدها الإضرار المفضي إلى الموت، وهو محرّم بالاتفاق. وثانيها الإضرار المفضي لإتلاف عضوٍ في البدن كاليد أو العين أو خسارة طاقة في البدن مثل طاقة السمع أو البصر أو غيرهما. ويظهر من الفقهاء هنا التحريم أيضاً مع بعض التفاصيل والاستثناءات. وثالثها أن يبلغ الضرر حدّاً معتداً به، لكن دون ما تقدّم، كما في جرح الإنسان نفسه، ولو جرحاً كبيراً، أو نحو ذلك. والمشهور جواز ذلك، وذهب بعضٌ ـ كالسيّد محمّد حسين فضل الله ـ إلى الحرمة إذا لم يكن هناك غرض عقلائي من ورائه. ورابعها أن يكون الضرر خفيفاً عرفاً وطفيفاً، مثل السهر الطويل الموجب للصداع، أو نحو ذلك، ويظهر هنا ذهاب جمهور الفقهاء للحليّة.
والذي توصّلتُ إليه بنظري القاصر هو حرمة المستوى الأوّل (قتل النفس)، وكذلك غالبيّة مصاديق المستوى الثاني دون جميعها، والأمر فيها يتبع التبرير العقلائي، فلو قضى على طاقة الإنجاب وهو ابن سبعين ولديه عشرة أولاد فلا دليل على التحريم، وهكذا. أمّا المستوى الثالث والرابع فلا دليل على التحريم فيهما ـ وفاقاً للمشهور وخلافاً للسيد فضل الله ـ حتى لو لم يكن هناك من ورائهما غرضٌ عقلائي. وبهذا لم نوافق أيضاً على قاعدة «تحريم كلّ ما كان ضرره أكبر من نفعه»، والتي ذهب إليها بعض الفقهاء في العصر الحديث مثل الشيخ يوسف القرضاوي والسيد محمّد حسين فضل الله.
وبناءً عليه، لا يثبت تحريم مثل التطبير بملاك تحريم الإضرار بالنفس، بل لو فرضنا أنّ التطبيرَ محرّمٌ فلابدّ من أن يكون تحريمه منطلقاً من أمرٍ آخر، وليس من الضرر.
لمزيد توسّع حول قاعدة الإضرار بالنفس، انظر كتابي المتواضع (فقه الأطعمة والأشربة 1: 217 ـ 249، الطبعة الأولى، 2020م).
حيدر حبّ الله
الأحد 24 ـ 10 ـ 2021م