ذكر الفقهاء فيما يعتبر في لباس المصلّي، أن لا يكون مما لا يؤكل لحمه، بلا فرقٍ بين ما تحلّه الحياة من أجزائه وغيره، وكذلك من دون فرقٍ بين ما تتمّ فيه الصلاة وغيره حتّى لو كان مثل الشعرات الواقعة على الثوب ونحوه من هرٍّ أو ثعلبٍ أو غيرهما، أو كان محمولاً كالمحفظة المصنوعة من جلود بعض الحيوانات محرّمة الأكل. وقد استثنوا من أصل هذا الشرط جلد الخزّ والسنجاب ووبرهما و.. وثمّة خلاف بين بعضهم في شمول الحكم لما ليس له نفس سائلة وعدمه.
غير أنّه يبدو حصول بعض التوقّف عند بعض المتأخّرين في مثل الشعرات أو المحمول كالمحفظة، فاحتاط وجوباً بعض الفقهاء في ذلك دون أن يفتي، فلو وقعت شعرات من هرّ على ثوب المصلّي فالأحوط وجوباً أن لا يصلّي في هذا الثوب قبل إزالة هذه الشعرات وهكذا، وممّن احتاط وجوباً فيهما (أعني مثل الشعرات والمحمول) جماعة مثل: السيد محسن الحكيم، والسيّد محمّد باقر الصدر، والسيد الخوئي، والشيخ وحيد الخراساني، والسيد محمّد سعيد الحكيم في خصوص الشعرات. واحتاط استحباباً في خصوص المحمول السيد محمّد محمّد صادق الصدر. واحتاط السيد محمود الهاشمي استحباباً في مطلق ما لا تتمّ به الصلاة، وكذلك في المحمول وفي مثل الشعرات الواقعة على الثوب، ومثله السيد السيستاني مع فارق أنّه أفتى بجواز المحمول كما احتاط في تعميم الحكم لمطلق محرّم الأكل ولو كان من غير السباع. وقد احتاط استحباباً أيضاً في الشعرات على الثوب السيد محمّد تقي المدرّسي وأفتى بجواز المحمول.
وظاهر السيّد محمد حسين فضل الله المنع من الثوب المصنوع من جلد أو شعر ما لا يؤكل لحمه، وكأنّه لا يوافق على كليّة (أجزاء ما لا يؤكل لحمه) فيخصّصها بالجلد والشعر، مفتياً بصحّة الصلاة فيما لو كانت بعض أجزاء الثوب من أجزاء غير مأكول اللحم، كأن تكون أزراره أو ياقته أو أطرافه من جلد أو فرو أو عظام غير مأكول اللحم، أو كان عليه مثل شعر الهر، أو أجزاء من الحشرات أو الصدف، أو شيء من شعر الإنسان وريقه ولبنه.. ومرخِّصاً في المحمول.
غير أنّ السيّد محمّد الروحاني احتاط وجوباً في أصل هذا الشرط من شروط لباس المصلّي (شرط أن لا يكون مما لا يؤكل لحمه)، وسوف نتكلّم لاحقاً عن أصل هذا الشرط بإذن الله سبحانه، لكنّنا نفترضه الآن ثابتاً.
والذي توصّلتُ إليه ـ والعلم عند الله ـ هو أنّه لو قلنا بهذا الشرط من أصله، فإنّ حدوده هو:
أ ـ أن يصدق عنوان الملبوس عرفاً على ما اتُخذ ممّا لا يؤكل لحمه، سواء كان ممّا تتمّ به الصلاة أم لا، فالقميص والحزام والسروال والجوارب وأمثال ذلك مشمولٌ لهذا الشرط. أمّا الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه دون صدق عنوان الملبوس بالفعل عليه حال الصلاة، فلا بأس بها. وعليه، فمثل الشعرات الواقعة، وكذا المحمول في الجيب أو باليد أو.. وكذا أزرار الملابس ونحوها.. ليس مشمولاً للمنع هنا، فتصحّ الصلاة فيه مطلقاً.
ب ـ إنّ القدر المتيقّن من الحكم هو الحيوانات السبعيّة آكلة اللحوم، وليس مطلق الحيوان محرّم الأكل، كما لا يشمل الحكمُ الإنسانَ، فلو صُنعَ ثوبٌ من شعر الإنسان صحّت الصلاة فيه.
ج ـ لا عبرة بأن تكون له نفس سائلة أو لا تكون، فإذا كان آكلاً للحوم ثبت الحكم ولو لم تكن له ـ نظريّاً ـ نفس سائلة، وإلا لم يثبت ولو كانت له نفس سائلة.
د ـ اختصاص الحكم بالشعر والجلد فيه وجهٌ، لكنّ الأوجه والأحوط هو التوسّع في أجزاء الحيوان.
ومنهج التعامل مع الروايات هنا إذا كان على طريقة الخبر الآحادي وكفايته، فقد نخرج بنتائج مختلفة بعض الشيء عمّا تقدّم، لكنّني أعتقد بأنّ النظر في الروايات ينبغي أن يكون من حيث المجموع لأخذ القدر المتيقّن من مضمونها اعتماداً على حجيّة اليقين والاطمئنان في باب الأخبار (المنهج الانضمامي)، وهذا النوع من النظر يوصل ـ بنظري القاصر ـ إلى النتائج التي توصّلنا إليها. والمجال مع الأسف لا يسع التفصيل.
حيدر حبّ الله
الأربعاء 22 ـ 12 ـ 2021م