ثمّة آثار تكوينية وتشريعيّة مذكورة في كتب الحديث والفقه، تترتّب على عنوان “التربة الحسينيّة أو طين قبر الحسين”، من نوع أنّه يُستشفى بها، ويُسجد عليها، وتُصنع السبحة منها، ويحنّك الطفل بها، ويُتبرّك بها، وتصحب في السفر، ولا تُباع، وتوضع مع الميّت في قبره، ويخلط بها حنوطه، ويكتب بها على الكفن والجريدتين، ويحرم تنجسيها أو هتكها، وأمثال ذلك (هذه الفروع بعضها ثابت عندي وبعضُها غير ثابت)؛ إذ الوارد في هذه الفروع عادةً هو عنوان تربة الحسين أو طين القبر أو نحو ذلك، من هنا فتحديد تربة الحسين موضوع مهمّ من حيث هذه الآثار والنتائج.
ويعدّ موضوع حدود التربة الحسينيّة من الموضوعات التي وقع فيها اضطراب واختلاف، تأثراً باضطراب الروايات. ونحن نذكر الأقوال والمحتملات كلّها، تبعاً لما في الروايات وكلمات الفقهاء، ثم نذكر ما توصّلنا إليه.
الاحتمال الأوّل: ثمانية فراسخ، إمّا من كلّ جهة من جهات القبر، أو بفرض قطر الدائرة ثمانية فراسخ، والأوّل أقرب. وقد ذكر الشهيد الثاني أنّ هذا مرويّ، غير أنّ المحقّق النراقي ذكر أنّه لم يعثر على مستند روائي له. وبناءً عليه فمدينة كربلاء كلّها ومساحة واسعة مما يحيط بها يكون ترابه ممّا يصدق عليه عنوان التربة الحسينيّة.
الاحتمال الثاني: خمسة فراسخ، وهو ما يعادل سبعة عشر ميلاً كما قيل. ويظهر تبنّي هذا القول من مثل الشهيد الأوّل، بل الشيخ المفيد أيضاً.
الاحتمال الثالث: أربعة فراسخ، وهو ما يعادل ـ كما قيل ـ اثني عشر ميلاً. وقد ذكر المحقّق النراقي أنّه لم يعثر على حديثٍ يدلّ على هذا التحديد، والأصل فيه ما نقله الشهيد الثاني ـ بلا سند ـ من أنّه مرويّ.
الاحتمال الرابع: عشرة أميال. وفيه رواية ضعيفة.
الاحتمال الخامس: أربعة أميال. والمستند فیه خبر أبي حمزة الثمالي الضعيف السند جدّاً، لكن لم يظهر اختيارٌ صريح للفقهاء لهذا الاحتمال.
الاحتمال السادس: فرسخٌ واحد من كل جهة من جهات القبر، وهو ما يعدل ثلاثة أميال في ثلاثة أميال.
الاحتمال السابع: رأس ميلٍ واحدٍ.
الاحتمال الثامن: سبعون ذراعاً أو سبعون باعاً، والباع في اللغة أطول من الذراع؛ لأنّه مقدار مَدّ يَدَين، أمّا الذراع فأقلّ من ذلك.
الاحتمال التاسع: الحائر الحسيني، وهو المدار الذي كان قديماً محيطاً بالقبر أو هو ما حار الماء فيه زمن المتوكّل العباسي (247هـ) فرجع أقصاه إلى أدناه عندما أرسله المتوكّل لغمر قبر الحسين×. وقد اختُلف في مساحة الحائر، فراجع.
الاحتمال العاشر: خمسة وعشرون ذراعاً.
الاحتمال الحادي عشر: عشرون ذراعاً مكسّراً. والظاهر أنّ المراد بالتكسير هنا، هو قسمة العشرين ذراعاً على الجوانب الأربعة، فيصبح خمسة أذرع من كلّ جانب من جوانب القبر.
والذي توصّلتُ إليه عدم صحّة هذه الاحتمالات جميعاً، بل إنّ التربة الحسينيّة التي تترتّب عليها آثارٌ فقهية وشرعيّة هو ما يصدق عرفاً أنّه تراب القبر وهو ما يحيط به قريباً جدّاً منه، بحيث يقال عرفاً بأنّه تراب هذا القبر. وأقرب الآراء لما توصّلتُ إليه ـ بل لعلّه هو المقصود ـ هو الاحتمال الحادي عشر الذي وردت فيه رواية معتبرة السند.
ونحن هنا نتحدّث عن مفهوم التربة أو طين القبر، لا مفهوم الحرم الحسيني أو نحوه فيرجى الانتباه؛ فإنّ النتائج الفقهية المترتبة على هذه العناوين متداخلة أو مختلفة، ففي مثل التخيير بين القصر والتمام يكون المعيار هو عنوان الحائر الحسينيّ أو حرم الحسين، لا القبر كما هو معروف.
ويسجّل على النتيجة التي توصّلنا إليها بعض الإشكاليات التي أجبنا عنها في محلّه أيضاً.
وقد بحثتُ هذا الموضوع بمناسبة الحديث عن الاستشفاء بالتربة الحسينيّة وجواز تناول طين القبر، وذلك في كتابي: (فقه الأطعمة والأشربة 2: 376 ـ 384، الطبعة الأولى، 2020م)، فراجع.
حيدر حبّ الله
الخميس 14 ـ 7 ـ 2022م