تكاد كلمات الفقهاء المسلمين ـ السنّة والشيعة ـ الذين تعرّضوا لهذا الموضوع تُطبق على عدم جواز دفن المسلم والمسلمة في مقابر غير المسلمين، وكذلك عدم جواز دفن غير المسلم في مقابر المسلمين، حتى أنّهم حكموا بلزوم نبش قبر غير المسلم لو دُفن في مقابر المسلمين. وكثير منهم حكموا بلزوم نبش قبر المسلم لو دفن في مقابر غير المسلمين، وبعضهم قيّد الحكمَ الأخير بحال ما إذا لم يلزم من نبش قبر المسلم الهتك لحرمته.
وقلّما نجد هذه المسألة في كلمات المتقدّمين من علماء الإماميّة، بل هناك من ادّعى أنّها أوّل ما ظهرت مع العلامة الحلّي (726هـ)، وأنّه قد تكون هناك إشارات طفيفة لها قبل ذلك. ولم أجد أحداً خالف صراحةً إطلاقَ هذا الرأي المشهور عدا قلّة قليلة جدّاً، منهم الشيخ محمّد إسحاق الفياض. كما لاحظت أنّ الفيروزآبادي والسيد الخوانساري احتاطا وجوباً في هذا الموضوع في تعليقتهما على العروة الوثقى، ومثلهما الشيخ حسين علي المنتظري، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي. ويظهر من بعض فتاوى واستفتاءات السيّد السيستاني والسيد صادق الشيرازي أنّه لو خُصّص قسم من مقبرة الكفّار للمسلمين جاز الدفن.
واللافت في هذا الموضوع أنّه لا توجد آية قرآنية ولا أيّ حديث ولو ضعيف السند يتحدّث عن هذا الأمر بشكل مباشر، حتى أنّ الشيخ الحرّ العاملي في كتاب (تفصيل وسائل الشيعة) لم يفرد باباً بهذا العنوان أساساً؛ لعدم وجود روايات في ذلك، ومع ذلك اتفقوا ـ إماميّاً ـ منذ عصر العلامة الحلي على التحريم كما بينّا. ورواج هذا الحكم عند أهل السنّة أقوى وأقدم. وهذا كلّه لا يعني أنّ الفقهاء لم تكن لديهم أدلّتهم، بل هم أسّسوا الحكمَ غالباً على بعض القواعد التي قاموا بتنزيلها على هذه الحالة.
والذي توصّلتُ إليه أنّه لا يوجد دليل على حرمة دفن المسلم في مقابر غير المسلمين، ولا دفن غير المسلم في مقابر المسلمين مطلقاً، فضلاً عن أبناء المذاهب المسلمة أنفسهم، فيمكن أن تكون مقبرةٌ واحدة جامعة لمدافن المسلمين بمذاهبهم، بل وأيضاً جامعة لمدافن المسلمين وغيرهم، حتى لو لم يتم فرزها إلى أقسام. نعم إذا لزم منه هنا أو هناك عنوانٌ ثانوي محرّم حَرُم، وكذلك لو كانت مقبرة المسلمين مسبّلةً وموقوفة لخصوص المسلمين، فلا يجوز دفن غيرهم حينئذٍ عملاً بقانون الوقف الشرعي، وهكذا.
ولمزيد توسّع، راجع التعليقات النقديّة على أبرز أدلّة القول المشهور، في كتابي المتواضع (إضاءات في الفكر والدين والاجتماع 5: 374 ـ 380، الطبعة الأولى، 2015م).
حيدر حبّ الله
الجمعة 24 ـ 9 ـ 2021م