تعتبر مسألة صيام يوم الشك من القضايا الخلافيّة بين المذاهب على مستوى بعض التفاصيل. وأحد فروعها ما لو صام بنيّةٍ مردّدة بحيث قال مثلاً: سأصوم يوم الغد فإن كان من شعبان فهو ندب ومستحبّ، وإن كان من شهر رمضان فهو واجب، حيث أفتى الكثير من العلماء بعدم صحّة الصوم هنا، وأنّه لا يجزي عن صيام رمضان لو كان الغد هو الأوّل من رمضان.
لكنّ بعض العلماء السابقين والمتأخّرين تردّد وتأمّل في المسألة، ومنهم السيد أحمد الخوانساري، والسيد محسن الحكيم، والمحقق ضياء الدين العراقي، والسيد أبو الحسن الإصفهاني وغيرهم، بل بعضهم حكم بالصحّة بوضوح، ومنهم السيد روح الله الخميني، والشيخ الجواهري، والفيروزآبادي، والشيخ الفاضل اللنكراني، والسيّد محمّد حسين فضل الله، والسيّد علي الخامنئي، والسيد موسى الشبيري الزنجاني، والسيد علي السيستاني، والسيد صادق الروحاني، والشيخ محمد إسحاق الفيّاض، وغيرهم. واستحسن الشيخ المنتظري نيّة الترتيب بأن ينوي أنّه من شعبان فإن لم يكن فهو من رمضان، مائلاً إلى الصحّة.
والذي توصّلتُ إليه هو أنّ هذا النوع من النيّة لا إشكال فيه، فيمكن للمكلّف أن ينوي صوم يوم الشك على أنّه من شعبان فلو تبيّن له أنّه من شهر رمضان أجزأ، كما ويمكنه أن ينويه ترديداً بحيث يقول بأنّني أصوم يوم الغد فإن كان من شعبان فهو ندب، وإن كان من رمضان فهو واجب، لكن لا يمكنه أن ينويه من رمضان جزماً ولم يثبت عنده بعدُ.
والمنهيّ عنه في النصوص هو أن ينويَه من شهر رمضان وهو لم يثبت عنده بعدُ أنّ شهر رمضان قد دخل، والروايات الحاصرة بالنيّة من شعبان حصرها إضافيّ في مقابل النية من رمضان والتي صحّحها بعض فقهاء أهل السنّة، وقرينة المقابلة في الروايات واضحة. كما أنّ الروايات الناهية عن الإتيان بهذا اليوم من رمضان لا تشمل الإتيان به بصيغة الترديد، فإنّ من القضايا التي كانت مثار نقاش بينهم في القرن الثاني الهجري وما بعد هي إمكانيّة صوم يوم الشك بنيّة رمضان، وكلّ نصوص النهي متركّزة على الجزم، ولا أقلّ من عدم الاطمئنان بانعقاد إطلاق فيها.
وأمّا القول بأنّ النصوص ناظرة لهذه الحال بالتحديد بدعوى استبعاد أنّهم كانوا يسألون عن صورة النيّة الجزمية الرمضانية، فهذا غير مقنع؛ لأنّ النيّة الجزمية متصوّرة جداً بعد مقاربة الأسئلة وظهوراتها، وتوقّع أن تصحيح صيام رمضان يحتاج لنية جازمة، علماً أنّ بعض اتجاهات الفقه السنّي، كالحنابلة، له رأي في وجوب صيامه على أنّه رمضان في بعض الصور، وهم ولو كانوا متأخرين عن زمن صدور النصوص هنا لكنّ قولهم هذا يعطي مجالاً لفتح الباب لاحتماليّة القصد الجزمي، خلافاً لما يذكره القائلون هنا بأنّ الروايات الناهية ناظرة تحديداً لصورة الترديد ولا تحتمل فرضيّة الجزم.
هذا كلّه فضلاً عن كون نيّة الجزم في نفسها معقولةً جداً؛ لأنّ يوم الشك حيث يحتمل أنّه من رمضان، فإنّ الإنسان العادي يبدأ شهره فيه لو صام جمهور الناس فيه، وهذا قائمٌ بالفعل بين بعض الناس لولا الفتاوى الناهية.
وأمّا التحليلات التي دخلوا فيها للتمييز بين الترديد في النية والترديد في المنويّ، والمعتمدة على مقاربات ذهنية فهي غير مقنعة، وقد ألمح إلى شيء من ذلك بعضهم، ولا حاجة للإطالة فالمقام مبنيٌّ على الاختصار.
حيدر حبّ الله
الأربعاء 6 ـ 4 ـ 2022م