ذكر مشهور فقهاء الإماميّة أنّ صيام شهرين متتابعين في الكفارة المخيّرة أو المرتّبة أو كفارة الجمع، مثل كفارة الإفطار العمدي ليوٍم من شهر رمضان المبارك أو كفارة الظهار أو كفارة القتل.. ذكروا أنّ معنى الشهرين المتتابعين هو أن يصوم المكلّف الشهر الأوّل كاملاً بلا انقطاع، ثم يكفيه أن يصله ولو بيومٍ واحدٍ من الشهر الثاني، وبعد ذلك يمكنه صيام بقيّة الأيّام كما شاء موصولةً أو مفرَّقةً، لعذرٍ أو لغير عذر.
لكنّ بعض الفقهاء ذهبوا لوجوب الاستمرار في الصيام حتى نهاية الشهر الثاني، كما هو المنسوب إلى مثل الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والسيد المرتضى والحلبي وأمثالهم، وفهم بعض الفقهاء منهم الوجوب التكليفي للتتابع، لا اشتراط إجزاء صيام شهرين متتابعين بالتتابع حتى نهاية الشهر الثاني.
وجمهور المعاصرين على القول المشهور، لكنّ السيد علي السيستاني بعد تحديده التتابع بالمعنى المشهور قال: «..ويجوز التفريق بعد ذلك على إشكال فيما إذا لم يكن لعارضٍ يعدّ عذراً عرفاً». كما ولعلّ ظاهر عبارة الشيخ محمّد الصادقي الطهراني هو لزوم المتابعة التامّة، لاستخدامه تعبير «ستين يوماً» بدل تعبير «الشهرين المتتابعين»، والله العالم.
أمّا في الفقه السنّي، فالظاهر أنّ الجمهور ذهب إلى أنّ التتابع لازمٌ في تمام أيّام الشهرين على استثناءات وقع فيها تفصيلٌ بينهم، من نوع ما لو طرأ عذرٌ للمرأة أو مرض على المكلّف أو غير ذلك أو جاء يوم عيدٍ تخلّل أيامَ صوم الكفارة أو نحو ذلك.
والذي توصّلتُ إليه بنظري المتواضع، هو أنّ ظاهر النصّ القرآني ونصوص السنّة الشريفة هو أنّ الشهرين المتتابعين يشترط وقوعهما بتمام أيّامهما متتابعين، فعليه صيام الستين يوماً مثلاً أو نحو ذلك متتابعةً كلّها، ولا يكفي وصل الشهر الأوّل بمجرّد يوم أو يومين من الشهر الثاني في صدق التتابع والإجزاء عن الواجب. نعم لو عرضه ـ وبخاصّة في الشهر الثاني ـ عارضٌ طارئ أوجب عذراً له للإفطار ولم يكن يمكنه من الأوّل الفرار منه، أمكنه الإفطار، ثمّ يستمرّ في التتابع، معوّضاً فوراً اليوم الذي فاته.
وقد أقرّ غير واحدٍ من الفقهاء بأنّ ظاهر عنوان الشهرين المتتابعين الوارد في الكتاب الكريم والسنّة الشريفة هو وقوع الشهرين كاملين متّصلين ببعضهما، غير أنّ الذي دفعهم للخروج عن ظاهر الكتاب والسنّة هو بعض الروايات، وعمدتها رواية الحلبي عن الإمام جعفر الصادق، والتي جاء فيها تعبير «والتتابع أن يصوم شهراً ويصوم من الآخر شيئاً أو أيّاماً منه..»، فتدلّ هذه الرواية على كفاية التتابع بين عنوان الشهرين لا بينهما بكاملهما.
غير أنّ التأمّل في هذا الحديث ـ مضافاً لكونه خبراً آحاديّاً، ولاحتمال كون هذه الجملة إدراجاً ـ هو أنّه مخالفٌ لظاهر عنوان الشهرين المتتابعين الوارد في الكتاب والسنّة، ودعوى حكومة خبر الحلبي على ظاهر مفاد تلك النصوص غير واضحة، بل هو نوعٌ من التعارض بحسب الفهم العرفي البعيد عن التكلّف والتأوّل. بل إنّ بعض الروايات ـ مثل خبر أبي بصير ـ يُفهم منه أنّه يجب عليه التتابع حتى النهاية، غايته أنّه لو عرضه عذرٌ ألزمه الإفطارَ، فإن كان العذرُ في الشهر الأوّل لزمته الإعادة من الأوّل، وإن كان في الشهر الثاني لزمه القضاء، فإنّ تعبير القضاء «..فإنّ عليه أن يقضي» يعزّز فرضيّة أنّه كان يلزمه الإتيان به لولا العذر، غاية الأمر أنّ الفرق بين الشهر الأوّل والثاني إنما هو في أنّ طروء العذر هل يوجب إبطال ما صامه من قبل واستئناف صوم الكفّارة من جديد، وهذه هي حال الشهر الأوّل، أو أنّه يمكنه الإفطار لعذرٍ، ثم قضاء ذلك اليوم بعد ذلك، ويُعذر لعدم التتابع في هذا اليوم الذي أفطر فيه لعذرٍ من الشهر الثاني.
حيدر حبّ الله
الثلاثاء 23 ـ 8 ـ 2022م