العورة (بالمعنى الأخصّ) في الفقه الإسلامي عنوانٌ تلحقه أحكام عديدة، ومن بينها حرمة النظر إليها ولو بالنسبة للمماثل أو للمحارم، مع استثناء مثل حالة علاقة الزوجيّة. وقد بحث الفقهاء المسلمون عن تحديد معنى العورة التي تترتّب عليها الأحكام، فذهب فريق إلى أنّها القُبُل والدبر والبيضتان، ومن ثمّ فليست الأليتان من العورة ولا الفخذين ولا العانة ولا نحو ذلك. لكنّ فريقاً آخر قال بأنّ العورة هو ما تقدّم لكن منها أيضاً أو يلحقها في الحكم ما بين السرّة والركبة، فتترتب على هذه المساحة من الجسد أحكام العورة، فإذا قلنا مثلاً بحرمة نظر الأخ لعورة أخته شمل ذلك الفخذين، وإذا قلنا بوجوب ستره لعورته أمامها، كان الحكم كذلك وهو وجوب ستر الفخذين، وإذا قلنا بالتفصيل في مفهوم العورة بالمعنى الأخصّ بين الرجل والمرأة كان الحكم كذلك، وهكذا.
وفي العصر الحديث مال الفقهاء لما هو المشهور من اختصاص العورة بالقبل والدبر والبيضتين، ومنهم: السيد أبو الحسن الإصفهاني، والسيد محسن الحكيم، والسيد روح الله الخميني، والسيد محمّد باقر الصدر، والسيد محمد رضا الگلپايگاني، والشيخ محمّد أمين زين الدين، والسيد علي السيستاني، والسيد محمّد صادق الروحاني، والشيخ الوحيد الخراساني، والشيخ لطف الله الصافي، والسيد محمّد حسين فضل الله، والشيخ يوسف الصانعي، والسيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ فاضل اللنكراني، والشيخ محمّد تقي بهجت، وغيرهم. واحتاط وجوباً فيما بين السرّة والركبة السيدُ أبو القاسم الخوئي (وفي بعض كلماته نوع تفصيل)، ومثله السيد محمّد الروحاني، والسيد محمود الهاشمي. بل أفتى الشيخ محمّد إسحاق الفياض بكون ما بين السرّة والركبة بحكم العورة. هذا واحتاط بعضٌ ـ مثل السيد محمّد محمّد صادق الصدر ـ في خصوص العجان، وهو ما بين القبل والدبر، أمّا غير ذلك مما بين السرّة والركبة فظاهره عدم لحوق حكم العورة له.
والذي توصّلتُ إليه ـ والله العالم ـ أنّ المقدار المتيقّن من العورة هو القبل والدبر في الرجل والمرأة، ويدخل في القبل عند الرجل القضيب والبيضتان، وعند المرأة الفرج والشفران، وأمّا الدبر فهو الحلقة فقط، دون الأليتين. أمّا ما هو أزيد من ذلك فلا دليل على دخوله في عنوان العورة بحيث تترتّب عليه أحكامها الخاصّة. نعم مقتضى الاحتياط الاستحبابي هو ترتيب أحكام العورة على ما بين السرّة والركبة.
بل قد دلّت جملة من النصوص بشكلٍ صريح على خروج الأليتين وأمثالهما من حدود العورة وإن كانت هذه الروايات ضعيفة الإسناد. وأمّا ما دلّ على التوسّع فهو روايات قليلة جدّاً لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، ضعيفة إسناداً أو دلالةً، معارضة بما يوجب فقدان الوثوق بمفادها، بناء على مسلك الوثوق، على ما هو الصحيح.
والتفصيل في محلّه.
حيدر حبّ الله
الأربعاء 21 ـ 9 ـ 2022م