يرى بعض الفقهاء أنّ المستثنى ممّا يجوز النظر إليه من المرأة الأجنبيّة هو ما ظهر منها، وباطن الفم ليس مشمولاً لذلك، ولهذا كان السيد الخوئي يحتاط وجوباً في النظر إلى باطن فم المرأة، ومثله الشيخ جواد التبريزي والشيخ محمد إسحاق الفياض، وربما لهذا أيضاً كان الشيخ التبريزي يتحفّظ على ذهاب المرأة عند طبيب الأسنان مع إمكان الذهاب إلى الطبيبة. بل المنسوب للسيّد علي الخامنئي هو الاحتياط وجوباً في نظر المرأة إلى باطن فم الرجل الأجنبي أيضاً.
ولعلّ المستند في ذلك عندهم هو عدم صدق عنوان (ما ظهر منها) على باطن الفم، أو الشكّ في صدق هذا العنوان، فيكون باطن الفم مشمولاً لعموم التحريم في المستثنى منه. وربما ـ على ذلك ـ يتوقّع احتمالاً أن يتحفّظ هؤلاء العلماء عن النظر إلى وجه المرأة لو كان به جرح بحيث ظهر منه باطن الجلد، أو لو حلقت المرأة حاجبَيها فظهر ما تحتهما.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم حرمة النظر لمثل باطن فم المرأة، ففضلاً عن أنّ الوجه والكفّين والقدمين لم يثبت عندي ـ كما قلتُ سابقاً ـ أنّها استثناءات من دليلٍ تحريمي عام، بل هي أصلاً لا دليل على حرمة النظر إليها.. فإنّ أسنان المرأة ولسانها وباطن الفم ممّا يظهر عادةً ونوعاً عند الكلام، وهذا يشمله عرفاً عنوان ما ظهر منها بناء على شمول الآية لمواضع الزينة ولعموم جسد المرأة، لاسيما مع عدم وجود تحريم شرعي للكلام مع المرأة. نعم النظر بشهوة غير جائز ولو لظاهر الوجه. والتفصيل بين باطن الفم وظاهره في هذه الأمور يبدو لي تدقيقاً غير عرفي، فمن يجيز الحديث مع المرأة والنظر إلى وجهها يُفهم منه عرفاً عدم التحفّظ على موضوع ظهور باطن الفم بالطريقة المتعارفة على الأقلّ، وإلا لبيّن ذلك أو لظهرت أسئلة في هذا المجال من المتشرّعة، وربما لما قلناه لم يفتِ مثل السيد الخوئي بالحرمة هنا، بل احتاط وجوباً فقط، ولعلّ مقصود المتحفّظين هنا خصوص ما لا يظهر عادةً عند الكلام فلا يشمل مثل الأسنان، فيكون الإشكال عليهم بعدم وجود دليلٍ عام على التحريم.
حيدر حبّ الله
السبت 2 ـ 4 ـ 2022م