يعدّ الفقهاء عندما يذكرون المفطرات بالنسبة للصوم، يعدّون إنزالَ المنيّ من المفطرات، بل عبّر عنه بعضهم هنا صريحاً بالاستمناء، وهو تلقائيّاً يختلف عن الجماع الذي هو مفطر آخر. فلو أنزل الصائمُ المنيَّ سواء بوسيلة محرّمة أم بوسيلة غير محرّمة كملاعبة زوجته، فإنّه يفطر بذلك، ضمن الشروط المأخوذة في المفطرات. نعم لو كان واثقاً بعدم حصول الإنزال لكن سبقه المنيُّ دون فعل شيء أو أنزل اتفاقاً لم يفطر.
وهذا الرأي في مفطريّة الإنزال ـ بصرف النظر عن الجماع ـ هو المعتمد لدى جمهور فقهاء أهل السنّة والإماميّة كذلك. غير أنّ ثمّة في الوسط السني بعض المداخلات النقديّة المحدودة جدّاً هنا، والتي تناقش في أصل الإنزال ومفطريّته، حيث يظهر من بعضٍ قليل أنّه ليس من المفطرات، وبعضهم اعتبره حراماً على الصائم لكنّه لا يُبطل الصوم ولا يوجب قضاءً ولا كفارة، على قاعدة التمييز بين مبدأ المفطرات ومبدأ المحرّمات، فبعض الأمور محرّمة على الصائم لكنّها ليست من المفطرات، وبعضها من المفطرات التي توجب القضاء بل حتى الكفارة، وقد تكلّمنا عن ذلك سابقاً عند الحديث عن الارتماس.
والذي توصّلتُ إليه ـ بفهمي القاصر ـ هو أنّ المفطر من إنزال المنيّ ليس مطلق الإنزال أو الاستمناء ولو عمداً، بل المفطر هو مقاربة الرجل المرأة ـ كزوجته ـ بحيث ينتج عنها الإنزال ولو لم يحصل دخول، بمعنى أنّ الاستمناء بنفسه ليس مفطراً بصرف النظر عن حرمته، إنّما المفطر هي حالة واحدة من حالات إنزال المنيّ، وهي حالة الإنزال المسبَّب عن اتصال بين الرجل والمرأة، كما لو لاعب زوجته فأمنى، أو التصق جسده بجسدها فأمنى كما ورد في بعض الروايات، أو تكلّم معها فأمنى، أمّا لو حصل نزول المني من دون وجود طرف آخر يتمّ الاتصال الجنسي ـ ولو غير الدخول ـ معه، فلا يظهر من الأدلّة كونه مفطراً. فالأدلّة في الحقيقة ـ وأرجو الانتباه جيّداً ـ كأنّها توسّع دائرة مفهوم الجماع والمباشرة لحالة الإنزال الناتج عن اتصالٍ جنسيّ ما، لا أنّها تعتبر الإنزال بنفسه مطلقاً من المفطرات.
والذي دفع فقهاء الإماميّة إلى اعتبار عنوان إنزال المنيّ من المفطرات، هو أنّهم فهموا من الروايات أنّها ناظرة لمطلق نزول المنيّ، بينما الذي يراجع مجمل الروايات الواردة في المقام، سواء منها الروايات التي تحدّثت مباشرةً عن مفطريّة إنزال المنيّ أم تلك التي تحدّثت عن ثبوت الكفارة في حالة الإنزال، سوف يرى أنّ مجمَلَها ناظرٌ لحالة الارتباط الجنسي بين الرجل والمرأة. ودعوى رفع الخصوصيّة كانت ستكون ممكنةً جداً لولا قوّة احتماليّة أنّ الروايات تريد توسعة مفهوم الاتصال الجنسي من الدخول للإنزال الناتج عن هذا الاتصال، ومعه فلا دليل على التعميم في المقام، فراجع مختلف الروايات تجد ما نقول. بل تحذيرها من مماسّة الزوجة خوفَ الإنزال لا يدلّ ـ ضمن السياق الذي قلناه ـ على معياريّة الإنزال لوحده، بل ينسجم مع معياريّة الإنزال الناتج عن اتصال جنسي بين رجلٍ وامرأة.
وأمّا استدلال بعض فقهاء أهل السنة بحديث أبي هريرة عن النبيّ ـ صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ـ أنّه تحدّث عن أنّ الصائم يدع شهوتَه، فهذا محلّ نقاش؛ إذ لا يُعلم ـ لو صحّ سنداً ـ أنّ المراد بالشهوة هنا مطلق الإثارة الغريزيّة، بل قد اتفق فقهاء الإسلام ودلّت النصوص الصريحة على جواز الشهوة غير المنتجة للجماع ولا لنزول المنيّ. فالأظهر ـ حيث إنّ الحديث في مقام بيان الكليّة لا التفاصيل ـ أن يكون المراد بالشهوة الجماعَ ونحوه.
بل يكفينا من مجمل ما قلناه، حصول الشكّ في وجود إطلاق في النصوص كلّها، لغير الحالة التي أشرنا إليها.
حيدر حبّ الله
الجمعة 8 ـ 4 ـ 2022م