تحدّث الفقهاء عن أنّه لو قلنا بمفطريّة الكذب على الله ورسوله و.. فهل يشترط توجيه الخطاب إلى أحد أو لا؟ وهل يشترط سماع أحد يفهم أو لا؟ فلو فرضنا أنّ المتكلّم الذي يتفوّه بكلامٍ كذبٍ يكذبه على رسول الله.. لو فرضناه كان لوحده أو مع مخلوق لا يفهم كالحيوانات، ثم قال: قال رسول الله كذا وكذا، كاذباً عليه في ذلك، فهل يبطل صومه؟ ولو فرضنا أنّه كان بجانبه إنسان يفهم لكنّه لم يوجّه خطابه إليه، بل تكلّم لوحده، قائلاً: قال رسول الله كذا وكذا، كاذباً عليه، ففي هذه الحال هل يبطل الصوم أو لا؟
ذهب العديد من الفقهاء إلى عدم البطلان، ومنهم صاحب العروة وكثيرٌ من المعلّقين عليها، وأيضاً السيد محسن الحكيم، والشيخ فاضل اللنكراني، والسيد محمد صادق الروحاني في تعليقة العروة، والشيخ محمّد إبراهيم الجنّاتي، وغيرهم.
واحتاط في المسألة بعضٌ، مثل الشيخ ضياء الدين العراقي، والسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد الروحاني، والسيد محمد صادق الروحاني في المنهاج، والشيخ محمد إسحاق الفيّاض، والشيخ الوحيد الخراساني، والسيد محمود الهاشمي، وغيرهم.
وبعض الفقهاء حكم بعدم البطلان في حالة عدم وجود من يسمع ويفهم المعنى بينما في حالة وجوده فالاحتياط الوجوبي عنده قائم، ومن هؤلاء السيد علي السيستاني في تعليقته على العروة بينما في المنهاج احتاط مطلقاً. كما ومن المفصّلين السيد محمد محمد صادق الصدر.
واحتياطُ بعض الفقهاء ليس راجعاً لخصوصيّة المسألة، بل لأصل مفطريّة الكذب، فيعتبره كذباً، فيلحقه عنده الاحتياط، فانتبه.
والذي توصّلتُ إليه أنّنا لو قلنا بمفطريّة الكذب ـ ولا نقول به كما ذكرنا سابقاً ـ فإنّ النطق بما هو خلاف الواقع مع عدم وجود سامع يعقل أو يصل إليه المنطوق، لا يوجب البطلان، لكن لو كان لا يوجّه الخطاب لأحد غير أنّه كان يعلم يقيناً أنّ عاقلاً فاهماً يسمع كلامه، فإنّ الحكم بالبطلان ـ على تقدير القول بمفطريّة الكذب ـ متعيّن، والله العالم.
والمسألة عندهم ليست راجعةً لآيةٍ أو رواية بعينها، وإنّما لتحليل مفهوم الكذب الوارد في الأخبار هنا، وأنّه هل يتقوّم بوجود طرف آخر يوجّه إليه الخطاب؟ وهل يتقوّم بعاقليّة وفاهميّة من يصله الخطاب؟ ونحو ذلك. والمفهوم من النصوص ـ بنظري المتواضع ـ أو المنصرف إليه، ليس الدلالات اللغويّة الصرفة لكلمة الصدق والكذب، بل ارتكاب جناية الكذب على الله ورسوله، وهو متحقّق في حال توجيه الخطاب لشخصٍ عاقل فاهم أو في حال إدراك العاقل الفاهم للخطاب في لحظته ولو مع عدم التوجيه، حيث يُلغي العرف الخصوصيّات هنا ويفهم المقصدَ بمناسبات الحكم والموضوع. أمّا لو لم يوجد أحدٌ عاقل أو وجد ولم يصله الخطاب، كما لو تكلّم الكاذب بالكذب بصوتٍ منخفض، فإنّ الأدلّة منصرفة تماماً عن هذا المورد، ولا أقلّ من عدم الوثوق بانعقاد دلالة فيها شاملة له.
حيدر حبّ الله
السبت 1 ـ 10 ـ 2022م