المعروف بين الفقهاء أنّ من يدّعي النبوّة يُقتل، بل قد أفتى العديد منهم بأنّه يجب على كلّ من سمع دعواه النبوّةَ أن يقتله إذا أمن الضرر، وليس بحاجة لأخذ الإذن من الحاكم الشرعي. بل قد استوجه بعض الفقهاء إلحاق مدّعي الإمامة بمدّعي النبوّة في هذا الحكم.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم ثبوت حدّ القتل على مدّعي النبوّة، فضلاً عن مدّعي الإمامة، بل يُرجع في أمره إلى القاضي والحاكم الشرعي، لينظر في نمط دعواه وملابساتها، ويحدّد الموقف منه تعزيراً أو غيره، على قانون العدل، تبعاً لتحديد حالته في دعواه النبوّة، فقد يكون وقع تحت تأثير أفكار معيّنة أو حالات نفسية خاصّة، فعلى القاضي أخذ ذلك كلّه بعين الاعتبار.
وعمدة الأدلّة التي ذكروها هنا عبارة عن خبر ابن فضال الضعيف سنداً ـ على التحقيق ـ بالطالقاني، وكذلك معتبرة ابن أبي يعفور، لكنّها لا تفيد حكما عاماً، كلّ ما في الأمر أنّ الإمام لمّا أخبره ابن أبي يعفور بأنّ “بزيعاً” ادّعى النبوّة، أمره الإمام أمراً شخصيّاً بقتله، وفي مثل هذه الحال لا يُعلم أنّ هذا حكمٌ شرعي أوّلي عام، لأنّ الحالة شخصيّة جداً، فلا يمكن بهذا النوع من الخطابات الشخصيّة تأسيس أحكام شرعيّة. كما استند بعضهم ـ وخاصّة في الوسط السنّي، بل بعض المحدّثين الشيعة وضع هذا الحكم في باب حدّ المرتدّ ـ استندوا لدعوى أنّ مدّعي النبوّة كافر مرتدّ، فيُقتل بعنوان الارتداد، لكنّه لو سلمنا أنّ عقوبة المرتدّ هو القتل مطلقاً، ففي صدق الارتداد عليه مطلقاً إشكال؛ إذ لو كان مسلماً ثمّ ادّعى النبوّة فإنّه يمكن تصوّر أنّه ما يزال يؤمن بالشهادتين، كما نؤمن نحن برسالة موسى وعيسى عليهما السلام. وعروضُ شبهةٍ له في أمرٍ ضروريّ من الضروريّات كالخاتميّة لا يلازم بالضرورة تكذيبه النبيَّ الأكرم‘ حتى يُحكم بكفره.
وعليه، فلم يبقَ من الأدلّة إلا معتبرة أبي بصير، ولمّا كانت ـ مع خبر ابن فضال الضعيف سنداً ـ خبراً آحاديّاً وارداً في أمرٍ خطير يتعلّق بالنفوس والأرواح، وبخاصّة الترخيص بالقتل دون رجوعٍ للحاكم، فمن الصعب الأخذ به والاحتجاج بناءً على عدم حجيّة خبر الواحد الظنّي.
واللافت أنّ موضوعاً من هذا القبيل يُتوقّع أن يتكلّم فيه شخصُ النبيّ الأكرم، نظراً إلى أنّه يمسّ مستقبل الأمّة بعده ويطال خاتميّة رسالته، ومع ذلك لا عين ولا أثر لهذا المفهوم في التراث الحديثي النبويّ عند الشيعة والسنّة معاً.
حيدر حبّ الله
الخميس 23 ـ 12 ـ 2021م