تُعتبر مسألة علاقة التشريعات الدينيّة بالمصالح والمفاسد الراجعة للعباد أنفسهم، من قضايا علم الكلام وأصول الفقه الإسلامي معاً، وقد ساهم في الحديث عنها الفلاسفةُ وغيرهم أيضاً. وقد ظهر اتجاهان أساسيّان في التراث الإسلامي هنا:
1 ـ اتجاه تبعيّة الأحكام جميعاً للمصالح والمفاسد الراجعة على العباد في الدنيا، وهو ما مال إليه الكثير من الفلاسفة والمعتزلة والإماميّة وغيرهم.
2 ـ اتجاه فكّ الارتباط بين التشريع الديني والمصلحة بهذا المعنى، فقد لا يكون خلف التشريع أيّ مصلحة راجعة للعباد سوى مصلحة الطاعة الناتج عنها الثواب الأخروي.
وثمّة نقاش طويل في تعريف المصلحة وحدودها هنا، وفي أدلّة ومعطيات الفريقين المختلفَين معاً، وثمّة خلط وإبهام في غير زاوية من زوايا هذا الموضوع عند مراجعة العديد من كتب التراث.
والذي توصلتُ إليه نتيجة مقاربات عقليّة وعقلانية ونصيّة أنّ أغلب التشريعات الدينيّة ترجع لمصالح على العباد أنفسهم في الدنيا، غير مصلحة الثواب الأخروي على الطاعة، بصرف النظر عن كون المصلحة المشار إليها كامنةً في المتعلّقات أو غير ذلك، غير أنّه من الصعب إثبات أنّ كلّ التشريعات قاطبةً تقف خلفها مصالح من هذا النوع، فلا يمكننا في دائرة الأقليّة إثبات ذلك ولا نفيه، وعلى سبيل المثال فقد تكون مصالح بعض التشريعات راجعةً لغير الإنسان ـ مثل الحيوانات ـ وقد لا تكون هناك مصلحة سوى مصلحة الطاعة والعبوديّة، والعلم عند الله.
وقد بحثتُ هذا الموضوع بالتفصيل في كتابي المتواضع (فقه المصلحة مدخلاً لنظرية المقاصد واجتهاد المبادئ والغايات: 27 ـ 158، الطبعة الأولى، 2019م)، فراجع.
حيدر حبّ الله
السبت 16 ـ 7 ـ 2022م