قاعدة نفي السبيل أو قاعدة العلوّ هي قاعدة يُقصد بها في مفهومها الفقهي المدرسي، عدم ثبوت أيّ ولاية أو هيمنة لغير المسلم على المسلم، مع عدم المانع من ثبوت علاقة بين المسلم وغيره، إنّما المهم هو شكل هذه العلاقة. وقد راج تطبيق الفقهاء لها في مواضع عديدة في الفقه، فهي قاعدة فقهيّة عامّة لم يقصرها الفقهاء على باب الجهاد والعلاقات الدوليّة، وإن كان هذا الباب من أبرز أبوابها وأهمّها، بل والمتيقّن منها.
وبمراجعة المصادر الفقهيّة، نجد أنّ الفقهاء طبّقوا هذه القاعدة، إما بعنوانها أو عبر ذكر أدلّتها المشهورة، في منع الكافر من إرث المسلم، ومسألة بيع العبد المسلم للكافر، ورهن العبد المسلم للكافر، وإعارة العبد المسلم للكافر، وإيداع العبد المسلم عند الكافر، ووقف العبد المسلم للكافر، وعدم وصيّة العبد المسلم للكافر، ونفي حقّ القصاص للكافر على المسلم، واستئجار الكافر للمسلم بمعنى صيرورة المسلم أجيراً عند الكافر، وعدم زواج المسلمة من الكافر، وعدم جواز بيع ولا رهن المصحف الشريف للكافرين، وعدم ولاية الأب الكافر على زواج ابنته مطلقاً، وعدم جواز تولّي الكافر شؤون القضاء أو الصغير أو المجنون أو السفيه أو أوقاف المسلمين، وعدم جواز علوّ مسكن الذمّي على مسكن المسلم ولا منارة الكنيسة على منارة المسجد، إلى غيرها من الموارد الكثيرة، التي تمّ الحديث عنها من الناحية التكليفيّة والوضعيّة، بمعنى أنّ هذه القاعدة كما تنتج أحكاماً تكليفيّة تُنتج كذلك أحكاماً وضعيّة من نوع بطلان بعض المعاملات وغير ذلك. وإن كان متأخّروا الفقهاء شرعوا في إعادة النظر بقوّة في إمكانيّات تطبيق هذه القاعدة على أكثر هذه الموارد والأمثلة.
والذي توصّلتُ إليه أنّه لا وجود لقاعدة فقهيّة أو دينيّة عامّة باسم قاعدة نفي السبيل بعرضها العريض وتطبيقاتها النمطية التي استخدمها الفقهاء في الكثير من الأبواب الفقهيّة، بل الثابت هو نفي السبيل بوصفها قاعدة في علاقات الجماعات ببعضها، فلا يُسمح بذُلّ المؤمنين والإيمان، أو بضعفهم وهوان مجتمع المؤمنين، فتكون قاعدةً في باب العلاقات الدوليّة والمجتمعيّة، وتؤسّس لمبدأ الاستقلال والتحرّر، ورفض التبعيّة والهيمنة على المسلمين وبلادهم، ويكون لها دور كبير في صياغة شكل العلاقات الدبلوماسيّة بين الدول المسلمة وغيرها، وهكذا. أمّا تطبيق هذه القاعدة في التفاصيل الفقهيّة في العبيد والمصحف والزواج والإجارة والإرث والقصاص وغيرها من سائر أشكال العلاقات المدنية والاجتماعيّة بين المسلمين وغيرهم، فلم يثبت إطلاقاً، بل تحتاج تلك التفاصيل لأدلّة أخرى لو ثبتت، وغالبُها غير ثابت.
ولمزيد اطّلاع، راجع بحثي المفصَّل حول هذه القاعدة في كتابي المتواضع (قواعد فقه العلاقة مع الآخر الديني: 391 ـ 443، الطبعة الأولى، 2020م).
حيدر حبّ الله
الجمعة 18 ـ 2 ـ 2022م