“فرحة الزهراء أو عيد الزهراء أو يوم رفع القلم أو الغدير الثاني أو يوم فرح الشيعة أو..” عنوانٌ يراد به عند كثيرين بيانُ اليومِ الذي قُتل فيه عمر بن الخطاب، ولهذا يسمّى بالفارسيّة (عُمَركُشان أو عمركشون). وهو يومٌ مختلَف فيه، لكنّ الكثيرين من الشيعة يعتبرونه التاسع من ربيع الأوّل من كلّ عام، ويقوم بعض الناس بإجراء بعض المراسم الاحتفاليّة في هذا اليوم، وتتضمّن بعض أشكال السخريّة والضحك والتفكّه وبعض الأنشطة التمثيلية والتنكّرية التي تشير لعمر بن الخطاب ولغيره أو لمقتله أو لنحو ذلك ممّا أجد أنّ الأفضل عدم ذكره والتعرّض له.
لكنّ وجهة نظر أخرى كان أشار إليها من قبل غيرُ واحدٍ ـ منهم السيد ابن طاوس ـ اعتبرت أنّ الاحتفاليّة هي لتنصيب الإمام المهدي إماماً بعد وفاة أبيه العسكري. ومؤخّراً حاولت بعض الجهات الاحتفاظ بأصل الاحتفال في هذا اليوم، لكنّها سعت لتغيير منطلقه من “فرحة الزهراء” إلى حفل “تتويج الإمام المهدي”، على أساس أنّ الثامن من ربيع الأوّل هو يوم وفاة الإمام الحسن بن علي العسكري، ومن ثمّ فيكون هذا اليوم (التاسع من ربيع) يوماً احتفاليّاً بتنصيب الإمام المهدي إماماً. وقد ربط بعضهم ـ مثل الشيخ جواد التبريزي ـ بين الأمرين بالقول بأنّ تنصيب الإمام المهدي مرتبطٌ بفرحة الزهراء؛ كونه هو المنتقم من أعداء آل محمّد عليهم الصلاة والسلام. كما كانت هناك محاولات تفسيريّة أخرى للموضوع تقول بأنّ المقتول في هذا اليوم هو عمر بن سعد، ومن ثمّ فهناك معنى للاحتفال بمقتل أحد أعداء آل محمّد، أو أنّ هذا التاريخ هو يوم ورود رأس ابن سعد من المدينة إلى الكوفة، أو أنّه اليوم الذي ظهرت فيه بوادر نجاح حركة المختار الثقفي. وبعضهم يرى أنّ التاسع والعاشر من ربيع الأوّل هما أيّام سرور؛ انطلاقاً من أنّهما يوم اقتران الرسول الأكرم بالسيدة خديجة، والذي نتج عنه ولادة السيدة الزهراء، إلى غير ذلك مما قيل.
وقد صنّفت في موضوع فرحة الزهراء كتب ومقالات مستقلّة ينتمي بعضها لمجال كتب المطاعن، مثل كتاب فرحة الزهراء لأبي علي الإصفهاني. ويُطلق بعضهم ـ مثل الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان ـ على هذا اليوم عنوان “عيد البَقْر”، ولعلّه من بقر البطون، في إشارة لقتل عمر بن الخطاب فيه أو لقتل أعداء أهل البيت على يد حركة المختار أو غير ذلك. والله العالم.
وقد وقع خلافٌ تاريخي في اليوم الذي قُتل فيه عمر بن الخطاب، وهو خلافٌ شيعي ـ شيعي أيضاً، فقال بعضهم بأنّه التاسع من ربيع الأوّل، وقال آخرون بأنّه الرابع والعشرون من ذي الحجّة، وقيل: السادس والعشرون منه، وقيل: التاسع والعشرون منه، وقيل غير ذلك.
ويعتبر بعضهم أنّ لبس السواد ومظاهر الحزن يمتدّ من بداية شهر محرّم الحرام وحتى التاسع من ربيع الأوّل فهو يوم نزع السواد. وإلى اليوم ما تزال بعض المجتمعات في بعض المناطق تعتبر أنّ حلول شهر ربيع الأوّل هو شروع فرحة الزهراء والذي يمتدّ بمراسمه حتى مولد النبيّ الأكرم؛ اعتماداً على نهاية أيّام الحزن.
ويرى بعضٌ ـ من عامّة الناس أو ربما من غيرهم ـ أنّ القلم مرفوعٌ عن المؤمنين في هذا اليوم، فيمكنهم فعل المعاصي أو على الأقلّ صغيرها، ويكون ذلك مغفوراً لهم.
ويختلف الناس في تاريخ هذه المراسم، ففيما يعتبرها بعضهم أتت بعد العصر الصفوي، يرى آخرون أنّها ظهرت في العصر الصفوي، فيما يرجّح فريقٌ ثالث ظهورها الأقدم في القرن السابع الهجري، لكنّها انتشرت في العصر الصفوي وما بعده. بل يرى جماعة أنّ ما كان يحتفل له قديماً هو مقتل عمر بن سعد فيما حصل اشتباه لاحقاً فتمّ تصوّر أنّه مقتل عمر بن الخطاب، وشاع هذا الأمر في القرون الأخيرة. لكنّ بعض الباحثين في مجال التاريخ يرى أنّ ظهور هذا الاحتفال كان في العصر البويهي في ظلّ النزاعات الطائفيّة الدامية في بغداد وغيرها.
وقد كانت الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران قد منعت، ومنذ زمن السيد روح الله الخميني، احتفاليّات فرحة الزهراء؛ اعتماداً على كونها مخلّة بالشريعة أو بالآداب أو بالوحدة الإسلاميّة، وعُرف عن وزير الداخليّة الإيراني آنذاك السيد علي أكبر محتشمي (2021م) مواجهته الشديدة لهذه المراسم. وكان مرقد أبي لؤلؤة (المعروف ببابا شجاع الدين)، وهو عندهم قاتل عمر بن الخطّاب.. كان مرقده في كاشان أحد الأمكنة الرئيسيّة لإقامة هذه الاحتفاليّات، غير أنّ هذا المرقد ما لبث أن أُغلق عام 2007م. ومنذ منع هذه الاحتفاليّات علناً في إيران تحوّلت إلى مراسم سريّة في البيوت وتجمعاٍت مغلقة، ومع ذلك كانت الدولة بين الحين والآخر تقوم بمهاجمتها حتى صارت المشاركة في هذه الاحتفاليّات محدودة جداً، ومقتصرة على من يعرفه صاحب المكان.
وخلال العقود الثلاثة الأخيرة، انتقد بعض المراجع والفقهاء بعض الأمور غير اللائقة التي تقع في احتفاليّات فرحة الزهراء، وانتقدوا فكرة رفع القلم. ومن هؤلاء الفقهاء: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، والشيخ لطف الله الصافي، والشيخ جواد التبريزي، والعديد من الفقهاء المعاصرين.
والذي توصّلتُ إليه هو أنّه لم يثبت في الشرع عيدٌ باسم عيد “فرحة الزهراء“ لا في التاسع من ربيع الأوّل ولا في غيره، ولم تثبت مراسم معيّنة فيه، سواء اعتبرناه عيداً لهذا السبب أو لذاك. والرواية الواردة ضعيفة السند جداً، على تفرّدها وعدم نقل أيٍّ من المحدّثين والفقهاء المتقدّمين لها. وقد اعترف بعضهم ـ مثل السيد محمّد صادق الروحاني والشيخ جواد التبريزي وغيرهما ـ بضعف سند الرواية الوحيدة في بابها هنا، لكنّ الروحاني قال بأنّ مضمونها من المستحبّات التي تجري فيها قاعدة التسامح في أدلّة السنن، واللافت أنّه رغم ذلك رفض الفقرة التي تحتوي في الرواية على رفع القلم، ولم يرَ في ذلك أيَّ ضير بناء عنده على ما يُعرف في أصول الفقه بقاعدة التبعيض في الحجّيّة.
لكنّني حيث لا أؤمن بقاعدة التسامح، وعلائم الوضع أو احتماليّة الوضع عالية في هذه الرواية المتأخّرة الظهور، لهذا لا يثبت عندي شيءٌ باسم عيد الزهراء إطلاقاً.
هذا كلّه مضافاً إلى صعوبة إثبات أنّ مقتل عمر بن الخطّاب هو في هذا اليوم، حتى لو قلنا بأنّ مقتله في ذي الحجّة ليس بثابت، فانتبه.
أمّا عيد تنصيب أو تتويج الإمام المهدي، فهو الآخر لم يثبت، بل لا توجد دينيّاً مراسم أو أيّام لتنصيب إمام، كما صرّح بذلك ـ محقّاً ـ السيد محمّد صادق الروحاني في بعض استفتاءاته، والذي اعتبر أنّ الإمامة تكون في لحظة الوفاة، وهو اليوم الثامن، وليس التاسع، والمفروض ـ عنده ـ أنّ يوم الثامن هو يوم حزن.
وعليه، فلم يثبت شيء بعنوانه اسمه عيد فرحة الزهراء ولا مراسم معيّنة لهذا العيد، بل ارتكاب بعض المعاصي فيه مما لا وجه له شرعاً، كما لم يثبت عيدٌ آخر من نوع عيد تنصيب الإمام ونحو ذلك من العناوين.
ومجال الكلام أكثر يتطلّبُ سعة وبسطاً لا يتحمّله المقام المبنيّ على الاختصار كما قلنا مراراً، فلا نطيل.
حيدر حبّ الله
السبت 24 ـ 9 ـ 2022م