في سياق بحث نظريّة ولاية الفقيه العامّة في العصر الحديث، ذهب بعض المؤمنين بهذه النظريّة للقول بأنّها مسألة عقائديّة، بمعنى انتمائها للمعتقدات الواجب الاعتقاد بها، وبعضهم ـ من أمثال الشيخ عبد الله جوادي آملي كما يظهر من بعض بحوثه ـ اعتبرها مسألةً كلاميّة بمعنى انتماء فضائها البحثي إلى علم الكلام. وكأنّهم بذلك أرادوا عدم حصر هذه المسألة بالنطاق الفقهي الخاصّ ليفتحوها على أفق كلامي واعتقادي.
وقد يُشبه هذا الموضوعَ بحثٌ قديم وقع محلاً للنزاع بين المعتزلة وخصومهم، وهو بحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا عدّه الكثير من المعتزلة من أصول الدين، فيما خالفهم في ذلك جمهور المسلمين تقريباً.
والذي توصّلتُ إليه لدى دراستي لهاتين المسألتين معاً، هو أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع فقهي شرعيّ سلوكيّ عملي، وليس عقائديّاً ولا كلاميّاً، بل يفترض بحثه في علم الفقه والشريعة. كما أنّ مسألة ولاية الفقيه مسألةٌ (أو رؤيةٌ) فقهيّة تنتمي لمجال العمل والحقوق والتكاليف والعلاقات الاجتماعية والسياسيّة والإداريّة، وليست من أصول الدين، ولا أنّها مسألة اعتقاديّة، وليس الموضعُ المنطقيُّ لبحثها علمَ الكلام. بل حتى لو كانت لها جذور كلاميّة وعقديّة، لكنّ هذا لا يعني كونها مسألة كلاميّة أو عقديّة، فضلاً عن أن تكون من أصول الدين؛ فإنّ العديد من الموضوعات الفقهيّة الكبرى لها جذورٌ فلسفيّة وكلاميّة.
لمزيد توسّع، راجع كتابي المتواضع (فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 160 ـ 171، الطبعة الأولى، 2014م).
حيدر حبّ الله
الأحد 17 ـ 10 ـ 2021م