ذكر الفقهاء المسلمون أنّ من شروط الشخص المأمور والمنهي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون مصرّاً على المعصية في فعل المنكر أو ترك المعروف، بمعنى أنّه يريد فعل هذا المنكر ولو مرّةً، وأنّه يقصده وعازمٌ عليه، أو يريد الاستمرار به، فهنا حالتان: الإصرار بمعنى مواصلة الفعل، كما لو غصب الدار وما زال فيها. والإصرار بمعنى إرادة تكرار الفعل كما لو شرب الخمر، وأراد في الغد فعل ذلك مرّةً أخرى. هذا وقد ادُّعي الإجماع على هذا الشرط.
والذي يبدو من بعض الفقهاء اشتراط القصد أو العزم على فعل المعصية ولو للمرّة الأولى، فلا يشترط تحقّق الإصرار، فلو علمنا أنّه يريد ارتكاب حرامٍ ما لأوّل مرّة وجب النهي عن المنكر.
لكنّ الذي توصّلتُ إليه، هو أنّ الإصرار أو العزم ليسا بشرط، إنّما الشرط هو كون الشخص المأمور أو المنهيّ ممّن عُلم أو ثبت أنّه سيقع في المعصية قريباً، فلو عُلم أنه سيرتكب المعصية في الغد، لكنّه الآن غير عازم عليها ولا قاصد لها ولا مصرّ، إلا أنّ ظروفه في الغد تجعلنا على علمٍ بوقوعه فيها، فإنّ الأدلّة شاملة هنا لأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ولو قبل عزمه إذا توقّف انتهاؤه على الأمر والنهي الآن، فالصحيح هو أنّ الشرط هو كونه بحيث يُشرف على الوقوع في المعصية في المستقبل المنظور، أمّا حالته النفسيّة من الإصرار أو العزم أو نحو ذلك فليست هي المدار بالدقّة، وبخاصّة أنّ شرط الإصرار أو القصد لم يرد في آية أو رواية معتبرة، بل هو استنتاجيٌّ من طبيعة الأشياء وموضوعاتها.
ولمزيد تفصيل حول هذا الشرط، راجع كتابي (فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 432 ـ 441، الطبعة الأولى، 2014م).
حيدر حبّ الله
السبت 19 ـ 2 ـ 2022م