يذكر بعض الفقهاء المتأخّرين شرطاً في المفتي ومرجع التقليد، وهو أن لا يقلّ ضبطه عن المتعارف بمعنى أن لا يكون كثير النسيان في مجال الأحكام الشرعيّة، بل احتاط بعضهم في غير مجال الأحكام أيضاً. وبعضهم عبّر بجواز تقليد من تجتمع فيه صفاتٌ يكون الضبط واحداً منها. ويظهر من بعض الفقهاء التحفّظ والاستشكال وعدم الاقتناع بهذا الشرط، منهم: السيّد رضا الصدر، والسيّد تقي القمي، والشيخ الوحيد الخراساني. وكثيرٌ من الفقهاء لم يذكروا هذا الشرط في المرجع ولم يتعرّضوا له أصلاً عند ذكرهم الشروط. ولعلّ من أبرز من فتح الحديث مؤخّراً حول هذا الشرط الشيخُ الإصفهاني صاحب الفصول (1261هـ)، ثم كان ذكرُ أمثال السيّد الخوئي لهذا الشرط في رسائلهم العمليّة موجباً لإحيائه في الفترة الأخيرة.
وقد ذكر المستدلّون هنا أدلّةً متعدّدة، من نوع قصور أدلّة التقليد أو انصرافها عن الذي يقلّ ضبطه عن المتعارف، وكذلك قياس الضبط في المفتي على الضبط في الراوي تارةً وفي القاضي تارةً أخرى، وأيضاً سلب الاطمئنان عن قوله وغير ذلك.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم وجود موضوعيّة وخصوصيّة في هذا الشرط أصلاً حتى يضيفوه على شروط المرجع؛ وذلك:
أ ـ إذا كان نسيان الفقيه موجباً لعدم كونه مجتهداً اجتهاداً فعليّاً قائماً؛ لفقده ما يلزم في تحقيق الاجتهاد الفعلي في هذه المسألة وتلك، وعدم تمكّنه من تحقيق الخطوات الكاملة للعمليّة الاجتهاديّة، فإنّ شرط الاجتهاد كافٍ بلا حاجة لإضافة شرطٍ جديد؛ لأنّ شرط الاجتهاد في المرجع ليس مجرّد الطاقة الافتراضيّة الكامنة في ذهنه، بل هي إمكانات القيام بعمليّة اجتهاديّة عينيّة مكتملة، بحيث لو طُلبَ منه إنجازها لأنجزها بشكل تامّ.
ب ـ وأمّا إذا كان النسيان موجباً لفقدنا نحن الوثوق بفتاويه بحيث لم يعد لدينا سكون نفس إلى خبرويّته أو استخدامه تقنيات العمليّة الاجتهادية أو تبيانه نتائج اجتهاده بطريقة صحيحة ونحو ذلك، فهذا راجع ـ من وجهة نظري ـ لأصل مفهوم التقليد وحجيّة الفتوى؛ لأنّ التقليد عندي هو رجوع الجاهل للعالم رجوعاً يختزن وثوق الجاهل بما يعطيه إيّاه العالم بحيث تسكن نفسه إليه ولا يكون لديه ريب ممّا يعطيه إيّاه، رغم إقرار الجاهل بتخصّص العالم وعدم تخصّصه هو، وهذا ما يُسمّى بشرط الوثوق في حجيّة قول أهل الخبرة، والذي تعرّضتُ له في كتابي (منطق النقد السندي 1: 94 ـ 98، الطبعة الأولى، 2017م).
ج ـ وأمّا إذا لم يكن النسيان موجباً لفقد الفقيه شروط العمليّة الاجتهاديّة، ولا موجباً لفقدنا الوثوق به وبقوله، فلا دليل يُقنعنا بهذا الشرط، فلا حاجة لإضافة شرطٍ جديد في المفتي باسم شرط الضبط.
حيدر حبّ الله
الخميس 14 ـ 10 ـ 2021م