ذكر بعضُ الفقهاء المتأخّرين، وغالباً بتأثيرٍ مما أفاده السيد كاظم اليزدي في العروة، أنّ من شروط المفتي ومرجع التقليد أن لا يكون مُقبلاً على الدنيا طالباً لها مُكبّاً عليها ومجدّاً في تحصيلها. ووفقاً لظاهر تعابيرهم وبياناتهم لشروط المرجع فإنّ هذا الشرط يُفترض أن يكون شيئاً إضافيّاً على شرط العدالة الذي أخذوه أيضاً في المفتي ومرجع التقليد.
وقد احتاط بعض الفقهاء وجوباً في أخذ الشرط، مثل السيد الخميني، والشيخ فاضل اللنكراني، والشيخ جوادي الآملي، وغيرهم، فيما اعتبره الشيخ بيات الزنجاني هو الأقوى، ورأى الشيخ يوسف الصانعي أنّه لا يخلو عن وجهٍ وجيه. وحاول السيد موسى الشبيري الزنجاني وضع هذا الشرط تحت شرط الموثوقيّة، ويعني عنده أن يكون اشتباهه وخطؤه ليس أكثر من الحالة المتعارفة، فإذا كان مكبّاً على الدنيا فإنّ تحصيل الموثوقيّة هذه يصبح مُشكلاً؛ إذ الهوى ومصالح الدنيا توجب كثرة الاشتباهات بحدّ فوق المتعارف.
وخالف في هذا الشرط كثيرون، فإمّا لم يذكروه أصلاً في شروط المرجع، أو صرّحوا بنفي اشتراطه، ومن المصرّحين بالنفي: السيد حسين البروجردي، والسيّد أبو القاسم الخوئي، والسيد أبو الحسن الإصفهاني، والسيد محمّد الفيروزآبادي، والسيد محمد رضا الگلپايگاني، والسيد عبد الهادي الشيرازي، والسيد محسن الحكيم، والسيد رضا الصدر، والشيخ محمّد إسحاق الفياض، والسيد محمّد سعيد الحكيم، والسيد محمد صادق الروحاني، والشيخ أبو طالب تجليل التبريزي، وغيرهم.
والذي توصّلتُ إليه ـ والله العالم ـ هو عدم وجود شرط من هذا النوع زائداً على شرط العدالة، بل سيأتي أنّه ثمّة كلام في شرط العدالة نفسه وحدوده.
وأمّا استدلالهم العمدة هنا، فهو رواية الشيخ الطبرسي في الاحتجاج: «.. فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه (لهواه)، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه..»، وهو استدلال غير مقنع؛ إذ مضافاً لضعف سند هذه الرواية جدّاً، على ما أقرّ بذلك كثيرون، فإنّ دلالتها محلّ إشكال، ولا أقلّ من حيث إنّ سياقها اللاحق يكشف أنّه ليس المراد من هذه التوصيفات أكثر من العدالة؛ لأنّها وضعت المقابلة بين هذه الصفات وبين ما عبّرت عنه لاحقاً بـ «الفسقة». وأمّا استدلال أمثال السيد الزنجاني فهو في نظري المتواضع غير مقنع؛ إذ الانكباب على الدنيا ما دام لا يخلّ بشرط العدالة لا يوجب كثرة الوقوع في الاشتباهات، بل لعلّ هجر الدنيا أحياناً يوجب وقوع الذي ينزع هذه النزعة في اشتباهات أيضاً، فقد يميل ـ من حيث لا يشعر ـ لتحريم ما أحلّ الله نتيجة نزعته الزهديّة والتقويّة، فافتراض تلازم عادي بين الانكباب على الدنيا وكثرة الأخطاء، غيرُ واضحٍ، بل يحتاج لدليل.
حيدر حبّ الله
السبت 1 ـ 1 ـ 2022م