يذهب مشهور فقهاء الإماميّة ـ بل ادُّعي عليه الإجماع ـ إلى شرط الانتماء الشيعي الإمامي الاثني عشري في القاضي، فلو لم يكن القاضي شيعياً إماميّاً فلا حجيّة لقضائه، بل لا يجوز الترافع إليه. أمّا شرطُ الإسلام في القاضي فيكاد يكون متفقاً عليه بين فقهاء المسلمين.
ويظهر أنّ كلاً من السيّد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي والسيد محمّد حسين فضل الله مستشكلٌ جداً في دلالة الأدلّة والروايات على شرط التشيّع في القاضي، بينما يطرح السيد كاظم الحائري أنّ من شروط القاضي أن لا يكون ضمن سلك القضاء التابع لأنظمة الجور والظلم، فلا يجوز التقاضي عنده في هذه الحال حتى لو كان مسلماً شيعيّاً.
والذي توصّلتُ إليه، أنّه لم يثبت أنّ من شروط القاضي أن يكون شيعيّاً إماميّاً، وإنّما المهمّ فيه:
1 ـ العلم، بحيث يتمكّن من فهم الشريعة وتطبيق قواعدها في مجال العمل القضائي.
2 ـ الصلاح، بحيث يكون مأموناً وموثوقاً ومتزناً.
3 ـ أن لا يكون من قضاة الجور، فلا يكون الرجوع القضائي إليه رجوعاً لأنظمة الجور والظلم، أو رجوعاً لجهازٍ قضائيّ سمتُه العامّة أنّه ظالم غير عادل.
4 ـ أن يقضي على وفق الشريعة الإسلاميّة وقواعدها العامّة في القضاء، فلا يقضي على أصولٍ قضائيّة عامّة مرفوضة في أصل الشرع الإسلامي، أو أصول قضائيّة وأحكامٍ شرعيّةٍ مجمع عند الإماميّة على بطلانها قطعاً. نعم كون قضائه محلّ خلاف بين الفقهاء نتيجة اختلافه في بعض التفاصيل الفقهيّة، أمرٌ لا يضرّ، فأقضية القضاة كثيراً ما تكون محلّ اختلاف في الأصول الاجتهاديّة أو في أشكال التطبيق داخل المذاهب نفسها.
فإذا توفّرت في القاضي هذه الشروط الأربعة جاز الترافع عنده، والعمل بحكمه، على التفصيل المطروح في حجيّة حكم القاضي في الفقه الإسلامي.
أمّا شرط الإسلام في القاضي، فالراجح أنّه ينبغي أخذه ولو بنحو الاحتياط الشديد اللازم، انطلاقاً من بعض النصوص الواردة في المقام.
وقد بحثتُ شرطَ الإسلام والانتماء المذهبي الخاصّ في القاضي، وأدلّة هذين الشرطين والمناقشات حولهما، وذلك في كتابي المتواضع (قواعد فقه العلاقة مع الآخر الديني: 709 ـ 721، الطبعة الأولى، 2020م)، فراجع.
حيدر حبّ الله
السبت 5 ـ 3 ـ 2022م