قليلاً ما يُشير فقهاء الإماميّة بنحو الفتوى إلى مسألة كراهة الزواج من الأقارب من غير المحارم الذين يحرم الزواج منهم ـ عدا مسألة كراهة زواج الرجل من أخت أخيه التي لا تكون أختاً له، أو أنّ الأفضل تركه بحسب تعبير بعضهم، وبعضهم خصّصه بأخت الأخ من الرضاع ـ لكن قد نجد في بعض العبارات ما يفيد مرجوحيّة زواج الأقارب عندهم. أمّا فقهاء أهل السنّة فالمسألة مطروحة بينهم بشكل أكبر، والمنسوب إلى مشهور الشافعيّة والحنابلة القولُ بكراهة الزواج من القرابة القريبة.
والمنقول عن ثقافة العرب أنّهم كانوا يعتبرون أنّ الزواج بين الأقارب يجعل الولد ضاوياً، أي نحيفاً هزيلاً في جسده، ويعتبرون سبب ذلك هو كثرة الحياء بين الزوجين، بخلاف الزواج من البعيدة فإنّه لا يكون هناك حياء. ويربط العديد من العلماء ـ مثل الشيخ أبي حامد الغزالي (505هـ) يُتابعه في ذلك الفيض الكاشاني (1091هـ)، وغيرهما ـ هذه القضيّة بقوّة الشهوة؛ إذ قوّة الشهوة تأتي مما هو جديد وبعيد، بخلاف ما هو معتاد وقريب.
ويستشهد بعضهم برواية: «اغتربوا لا تضووا»، أو برواية: «غرّبوا النكاح»، أو برواية «لا تنكحوا القرابة القريبة فإنّ الولد يخلق ضاوياً»، وأمثالها ـ ممّا هو من الروايات السنيّة نادرة الوجود أو المنعدمة في التراث الحديثي الشيعي ـ مما هو ضعيف جداً عند علماء الحديث لدى الفريقين، وبعضه لم يثبت كونه رواية عن معصوم أساساً.
لكن في المقابل، ثمّة ما يوحي في كلمات بعض الفقهاء باستحباب زواج القريبة، وأنّ فيه جمعاً بين صلة الرحم والزواج، وغير ذلك، في حين قال الرافضون لنكاح الأقارب بأنّ هذا النكاح يسبّب خلافات بين العائلتين من عشيرة واحدة أو قبيلة واحدة، وهذا فيه مفسدة أكبر.. إلى غير ذلك من الاستنسابات التي لو صحّت، فلا علاقة لها بإثبات أمرٍ شرعي قائمٍ بنفسه في الدين، حتى ننسب نتائج تحليلنا الخاصّ للشريعة!
والذي توصّلتُ إليه ـ والعلم عند الله ـ أنّه لم يثبت وجود حكمٍ شرعي متصل بهذه القضيّة بعنوانها الخاصّ، لا من حرمةٍ ولا من كراهة ولا من استحبابٍ ولا من وجوب، بل ثمّة معطيات في الروايات والتاريخ على عكس فكرة الكراهة أو المرجوحيّة، فالأصحّ هنا هو القول بالإباحة بمعنى عدم ثبوت حكم خاصّ، فيُستحسن أن يُرجع في هذه القضيّة لما توصّل إليه العلم البشري مما هو حجّة، بحيث تكون معطيات العلم الثابتة بمثابة مرجّح عقلاني للفعل أو الترك، أو ربما تكون أحياناً بمثابة مُثبت لمصداقِ عنوانٍ شرعي عام، وإلا فلا يوجد موقفٌ شرعي محدَّد في هذه القضيّة بعنوانها الخاصّ.
أمّا الزواج من أخت الأخ التي لا تكون أختاً للرجل نفسه، أو الزواج من بنت أخي الأخ الذي لا يكون أخاً للرجل نفسه، فوردت فيه بعض الروايات المجوّزة، أمّا الروايات الدالّة على الكراهة في الأوّل (أخت الأخ)، فهي قليلة جداً وضعيفة إسناداً على التحقيق، فلم تثبت الحرمة ولا الكراهة في هذين الموردين أيضاً.
وقد تعرّضتُ باختصار لبعضٍ من جوانب هذا الموضوع في كتاب (إضاءات 4: 390 ـ 393، الطبعة الأولى، 2014م)، فراجع.
حيدر حبّ الله
السبت 22 ـ 1 ـ 2022م