ذهب بعض علماء الرجال والحديث إلى أنّ كتاب “عوالي (غوالي) اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة”، للشيخ شمس الدين أبي جعفر محمّد علي بن إبراهيم بن أبي جُمهور الأحسائي (ق 10هـ) يُحكم بصحّته ووثاقة جميع رواته، انطلاقاً من بعض العبارات التي ذكرها الأحسائي في المقدّمة.
ويعدّ ابن أبي جمهور الأحسائي من علماء الإماميّة البارزين الذين صنّفوا في العلوم العقليّة والنقليّة، وقد مُدح كثيراً في الكتب والمصنّفات، ومن قبل من هم قريبون جداً من عصره، وهو من المتوفّين في أوائل القرن العاشر الهجري، وكتبه مشهودة معروفة تدلّ على مكانته وعلمه وسموّه. نعم يوجد جدل حول شخصيّته من جهة اتصاله بالتصوّف والعرفان وبعض الأمور الفلسفيّة والروحيّة، إلا أنّه لا يؤثر إطلاقاً على مكانته كواحد من العلماء المسلمين، مثله مثل سيد حيدر الآملي والفيض الكاشاني، فهي اجتهادات في فهم الدين والوجود والحياة، حتى لو اختلفنا معها هنا أو هناك. وقد سعى المحدّث النوري والسيد نعمة الله الجزائري والسيد المرعشي النجفي للدفاع عنه وكتابه من مختلف التهم التي وجهت إليه بهذا الصدد.
نعم يمكن القول بأنّه لم يكن في حياته شخصاً مشهوراً للغاية، بحيث يحيط به الطلاب؛ لأنّ عدد طلابه والمجازين منه قليلٌ جداً، وكثير منهم غير معروفين بالعلم والشهرة، ولعلّ لميوله الفكريّة والعرفانيّة والفلسفيّة دوراً كبيراً في عزلته النسبيّة هذه.
وقد جمع الأحسائيُّ في كتابه هذا 5058 حديثاً، وتميّز فيه بأحاديث لم ترد ـ شيعيّاً ـ إلا فيه، وقيل بأنّ بعض النسخ الخطيّة تشير إلى أنّه ألّفه في مدّة وجيزة تقارب الأربعة أشهر فقط. ويتميّز الكتاب بأنّه نقل الكثير من الروايات من المصادر السنيّة المعروفة، وكذلك نقل العديد من الروايات الصوفيّة، وأدّى نقله ـ ثمّ اعتماد الحرّ العاملي والعلامة المجلسي على كتابه ـ لانتشار عدد كبير من الروايات السنيّة والصوفية في الكتب الحديثيّة الشيعيّة المتأخّرة، وراج تداولها أكبر بين الشيعة، وبخاصّة الروايات الصوفية. ويظهر أيضاً أنّه أخذ قسماً من رواياته مما وجده متناثراً في كتب الشيعة المتأخّرين الفقهيّة وغيرها من مرويّات، لم تُعرف في مصادر الحديث الأولى، لاسيما في كتب المحقّق الحلي والشهيد الأوّل والعلامة الحلّي وابن فهد الحلي والمقداد السيوري وفخر المحقّقين الحلّي وغيرهم، الأمر الذي يوحي وكأنّه اعتمد على الإجازات لكي ينسب هذه الروايات التي هي في الأصل مراسيل.
والذي توصّلتُ إليه هو عدم وجود تصحيحٍ عام لروايات هذا الكتاب، وعدم وجود توثيق عام لرواته، بل ينبغي تخريج رواياته على قواعد الصناعة الحديثيّة للنظر في صحّة هذه أو تلك، وذلك أنّ قضيّة الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي في هذا الكتاب غامضة جداً، ومن جهات متعدّدة، الأمر الذي يوجب التشكيك للغاية في مراده من المقدّمة. وعليه فلا نأخذ بهذا التوثيق العام ولا بهذا التصحيح، بل ولا بهذا الإسناد أيضاً؛ لعدم وثوقنا بدقّته، وإن كنّا لا نتّهم الأحسائي في صدقه في نفسه، خلافاً لما فعله بعض المعاصرين من بلوغه تهمة التشكيك في شخصه وأخلاقه ودينه من هذه الناحية! والاحتياطُ في الدين يستدعي التريّث في اتهام الأحسائي.
ولعلّه لمجمل ما تقدّم أو لغيره، ذهب أكثر العلماء إلى عدم الاعتداد بمرويّات عوالي اللئالي التي ينفرد بها، حتى قال فيه المحدّث الإخباري الشيخ يوسف البحراني (1186هـ) ـ وهو بصدد الحديث عن مرفوعة زرارة المشهورة في باب التعارض ـ: «بخلاف الرواية الأخرى، فإنّا لم نقف عليها في غير كتاب عوالي اللئالي، مع ما هي عليه من الرفع والإرسال، وما عليه الكتاب المذكور من نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل الأخبار والإهمال، وخلط غثها بسمينها وصحيحها بسقيمها، كما لا يخفى على من وقف على الكتاب المذكور».
وأودّ ـ في الختام ـ أن أتوجّه بالشكر الجزيل لنخبة من العلماء والسادة الأفاضل الذين شرعوا في تحقيق مجموعة مؤلّفات الشيخ الأحسائي وأصدروا منها حتى الآن عدداً غير قليل، كما أصدروا مجموعة من الدراسات النافعة حوله، بالتعاون مع باحثين غربيّين وشرقيّين، فجزاهم الله خير الجزاء في إحياء هذا التراث، وكلّنا أمل أن يُعقد لابن أبي جمهور الأحسائي مؤتمر دولي جادّ يدرسه وتاريخه من زوايا متعدّدة.
هذا، وقد بحثتُ حول هذا الكتاب، فراجع كتابي (منطق النقد السندي 1: 632 ـ 644، الطبعة الأولى، 2017م).
حيدر حبّ الله
السبت 2 ـ 9 ـ 2022م